منذ أقل من عام حدثت جريمة بشعة فى إحدى قرى لبنان، حيث استطاع أهالى البلدة أن يخطفوا شابّا مصريّا، متهمًا بجريمة قتل وأخرى أخلاقية، من يد الشرطة وينفذوا القانون بأيديهم، وتم تعليق جثة المتهم والتمثيل بها بعد محاكمة أهلية لم تترك للقانون الوضعى دورًا، وقررت أن تكون هى الحكم والجلاد. وقتها خرج كثير من الأقلام تندد بهذه الجريمة البشعة التى أظهرت لجمهور المتابعين وكأننا فى العصور الوسطى.
وعلى كثرة من كتبوا فى الأمر كنت أتعجب، لمَ لم يتوقف أحد عند فكرة راسخة فى عقول المصريين من أن المناهج سهلة فى لبنان كما يقال، وأن جريمة أخلاقية لا يمكن أن تدفع قرية بأكملها للثأر حتى لو كانت مقترنة بالقتل.
كان الاهتمام منصبّا على خلفيات وحكاية هذا الشاب فحسب، وتسابق الجميع فى الإجابة عن السؤال: كيف حدث ما حدث؟ ولم يحاول أحد الإجابة أو طرح سؤال: لماذا؟
وها نحن منذ أيام نجد أنفسنا أمام خبر عن منطقة مصرية تقرر أن تقوم بذات الجريمة، جريمة أن تكون الحكم والجلاد تجاه أحد المسجلين الخطرين فاجتمعوا عليه مع بلطجية زملاء له وأصدروا حكمًا بإعدامه والتمثيل بجثته، لأنه أرهقهم بجرائمه.
ونعود للقصة نفسها، فالكل تسابق على نشر الخبر وأن يجيب عن السؤال: كيف حدث ما حدث دون أن نفزع ونبحث عن إجابة السؤال: لماذا؟
ولا أظن أن مسألة اختفاء أو تقاعس الشرطة المصرية تكفى للإجابة، وإلا كنا بشرًا نبحث عن إجابات سهلة لأسئلة صعبة، لأن فى كترمايا فى لبنان تم ما تم والشاب فى يد الشرطة بالفعل.
أنا لا أجرؤ على أن أدعى أنى أملك الإجابة، لأنها تحتاج لو أردنا فعلاً معرفتها لدراسات وأساتذة فى علم الاجتماع والنفس والتاريخ وعلوم أخرى كثيرة، ولكنى أزعم أنى أحاول أن أعرف أو على الأقل أطرح تساؤلات لكى لا نجد أنفسنا بعد يوم أو أيام نعيش فى عالم يقرر فيه مجموعة جيران أن يتخلصوا من جارة لكاكة، أو شارع يتخلص من شاب يقف على الناصية يزعج بنات الحى، فالجريمة واحدة مهما اختلفت الأسباب، فالقتل قتل، وأخذ الحق باليد دون حكم محكمة عودة لشريعة قابيل وهابيل.
ومن بين الأسئلة هل قبضت الشرطة على الجناة؟ لماذا تسابقت وسائل الإعلام فى نقل الخبر والحديث عن الجانى دون أن تسأل الجناة وكأنها ترسخ بوعى أو دون وعى أن المجنى عليه أخذ جزاءه، ولا داعى لتجريس الجانى على عكس الجرائم الفردية؟ لماذا صارت حياتنا اليومية صورة متكررة من العنف المتبادل، ولم يعد يتوقف أحد ليقول كفى؟ فكم من المرات وجدت فى طريقك اثنين يتعاركان وأعطيتهما ظهرك وأكملت طريقك؟ هل نستطيع أن نقول إن عنف الشرطة فى كل العالم، وليس فى مصر فقط، هو التطور الطبيعى لنا كشعوب فى حياتهم اليومية، وأنه عنف متسق مع الوضع العام؟ هل بُطء إجراءات القانون الوضعى صارت دافعًا لاختصار البشر طلب العدل بأيديهم؟ ماذا ننتظر والسلاح فى مصر يباع على نواصى الشوارع؟
لا تتوقفوا عن طرح الأسئلة، وعلى أهل الإعلام أن يهتموا بهذا الأمر أكثر من أى أمر آخر، فلا مليونية ولا دستور ولا انتخابات ولا شىء يساوى قيمة الأمن، وحق أى إنسان فى محكمة وعدل وحكم كتاب، لا حكم يد أو أياد كثيرة قد تبدأ مظلومة ولكنها قد تتحول إلى ظالمة.