على مشرفة

كانت مصر فى عشرينيات القرن الماضى، حين ركب عالمها الفذ الدكتور على مشرفة مركب العلم، وأصبح من علماء الذرة، وممن يعدون على الأصابع فى الإضافات العالمية على القوانين الرياضية التى تحكم العالم .

وفى المسلسل الرائع «رجل من هذا الزمان»، الذى يتم عرضه حاليا على القنوات الفضائية، ويحكى سيرة على مشرفة، نكتشف أننا أمام عالم يبدع فى وسط ظروف سياسية معقدة، حيث الاحتلال الإنجليزى لمصر، وسلطة القصر التى تهادن الاحتلال، وفوران ثورة 1919، وغيرها من الأحوال التى فرضت على مصر ظروف التخلف كثيرا.

فى هذا المناخ جاء على مشرفة بموهبة الإبداع فى مجال العلم، وللتباعد الزمنى بين حاضرنا فى هذه اللحظة والفترة التى عاشها أظن أن عشرات الأجيال قد مرت دون أن تعى تماما تاريخ هذا الرجل وزمنه، واقتصرت معرفتها عنه على دراما موته الغامض الذى قيل إنه من تدبير أجهزة مخابراتية غربية لعبقريته العلمية، فكان قرار موته لحرمان بلاده منه، كما حدث مع سميرة موسى، وسعيد سيد بدير، وآخرين.

وحتى يزيح المسلسل الستار عن هذا السر، أقول إننا أمام عمل فنى رائع، هو وجبة تاريخية وتثقيفية لمن يريد أن يعرف صناع تاريخنا، وتبدأ روعته من نصه للمبدع محمد السيد عيد، كما فعل من قبل مع مسلسل «قاسم أمين»، فهو يقدم مشرفة كإنسان من دم ولحم، يخطئ ويصيب، يحزن ويفرح، عالم بعقله، وإنسان بقلبه، وابن بيئة مصر السياسية والاجتماعية فى زمنها الذى ولد وعاش وتعلم فيها.

ومهما كانت كفاءة وبراعة أى نص، يتوقف نجاحه الفنى على المخرج، وفى هذا العمل نحن على موعد مع المخرجة الفذة أنعام محمد على، فمجرد وجود اسمها على تتر أى مسلسل يعنى عربون إغراء لمشاهدته، والشاهد على ذلك إخراجها سيرة اثنين من عظماء مصر، هما «أم كلثوم»، و«قاسم أمين»، وتضيف إليهما الآن «على مشرفة»، لتواصل هداياها الفنية والتاريخية العظيمة، وفيها فيلم «إيلات» والمسلسل المدهش «الحب وأشياء أخرى»، الذى كتبه العظيم الراحل أسامة أنور عكاشة، واستطاعت أنعام تفجير الطاقات الفنية الجميلة لأبطال العمل، فتحية لهم جميعا.