كلما خرجنا من نقرة دستورية وقعنا فى دحديرة قانونية، وكأننا نعيش ترف الجدل البيزنطى، حول شكل دولة لا نعرفها.. نقول هذا بمناسبة المعركة الدائرة الآن حول تحليل وتحريم المبادئ فوق الدستورية. ويقف فريقان على طرفى نقيض ويبدو كل منهما وحده الحريص على المستقبل، بالرغم من أنهم جميعا كانوا يعانون من التسلط، فإذا كل منهما يعانى من الشك ويتسلط.
وإذا حاول شخص طبيعى أن يعرف أسباب الخلاف بين أنصار المبادئ الدستورية وخصومها فلن يستطيع، لكنه سيرى أعداء وليسوا مواطنين يحق لكل منهم نفس ما يحق لغيره.
وليس فى الأمر أغلبية صامتة أو أقلية متحدثة، ولا فائدة من خلاف يتواصل ويكاد يتحول إلى حرب. دعا البعض إلى وضع مجموعة مبادئ تحدد شكل الدولة وأسس وقواعد بنائها، رفض بعض الإخوان والإسلاميين هذه المبادئ واعتبروها التفافا على نتائج الاستفتاء.
أصل المشكلة أن من صوتوا بـ«لا» على التعديلات الدستورية مسؤولون بشكل أو بآخر عن القسمة التى جرت للمواطنين، ونفس المسؤولية يتحملها أنصار «نعم» ممن صوروا الأمر على أنه استفتاء على الدين وليس على مبادئ دستورية يمكن تغييرها.
الآن الإخوان والسلفيون اعتبروا وضع مبادئ فوق دستورية اعتداء على نتيجة الاستفتاء، ويطالبون بأن تحكم الصناديق فى انتخابات تأتى ببرلمان يختار جمعية تضع الدستور ويتم الاستفتاء عليه.
وماذا يريد المواطنون.. يريدون فى الأغلب مساواة ونظاما عادلا يوفر العمل والعلاج والتعليم للجميع، عدالة اجتماعية فى توزيع الدخل من خلال نظام ضرائب يجعل الكل أمام المجتمع سواء فى الواجبات والحقوق.
لا يختلف أنصار الدولة «إياها» عن أنصار الدولة «دوكيه» فى أن المواطن يحتاج إلى أن يتلقى أبناؤه تعليما عصريا، وأن يكون التفوق والعمل هو معيار الصعود الاجتماعى، وعلاج إنسانى لكل الناس لا فرق بين غنى أو فقير، وقانون يطبق على الجميع لا فرق بين وزير وخفير، وطرقات ممهدة، ومرور محترم وشوارع للجميع، وأن تتاح حرية الاعتقاد والتعبير.. لا أحد يختلف على هذا، لكن الخلاف يصنعه من يلونون الدولة بألوان مختلفة، قبل أن يروا الدولة.
المشكلة هى الشك الذى يحمله كل طرف للطرف الآخر، الإسلاميون يبدون واثقين من الفوز فى الانتخابات، ويخشون من أن تكون المبادئ فوق الدستورية قيدا عليهم، والآخرون يخشون من أن يفوز الإسلاميون فيسقطوا سلم الصعود ويتجهوا إلى دولة متسلطة تحت مسميات أخرى، والشك لدى كل فريق لا يخلو من ذاتية ورغبة فى الفوز بالغنائم قبل انتهاء الحرب، والحرب هنا هى أن نضمن مناخا يتيح حرية الإرادة للمواطنين، خاصة الضعفاء، ربما يومها يمكن أن يسأل كل فريق «معانا ولا مع التانيين»، بدلا من الخلاف الذى يبدو على مسميات دولة مدنية أو دينية بل نريدها دولة عادلة حتى لو كانت «ماتتسماش».