ناجح إبراهيم

أزمة الأجيال والفكر بين الثائر ورجل الدولة

الثلاثاء، 02 أغسطس 2011 04:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الآن حدثت فجوة كبيرة بين الثوار من جهة، وحكومة شرف والمجلس العسكرى من جهة أخرى.. وأسباب هذه الفجوة كثيرة، لا مجال لذكرها الآن. ولكن المشكلة الرئيسية من وجهة نظرى، هى أن بعض الثوار لم يفكروا يوما أن يتبادلوا الكراسى مع الحكومة والمجلس، وأن يفرقوا بين الثائر ورجل الدولة، والثائر الذى يريد هدم الفساد باستمرار وبين رجل الدولة الذى يريد البناء باستمرار.. بين الثائر الذى يقدم الحماسة والاندفاع على العقل والحكمة، ورجل الدولة الذى يقدم الحسابات الدقيقة ولا يعرف لغة الحماسة والاندفاع على الإطلاق.

وبين الثائر الذى لا يرى إلا نفسه ومن حوله من الثوار، بما يجمعهم من عقل جمعى، يحول بينهم وبين رؤية الكثير من المؤثرات الداخلية والخارجية حولهم. فلا تهمه أمريكا، فشعاره الأوحد «مالنا وما لأمريكا» فلتذهب أمريكا إلى الجحيم، وما للعالم الخارجى، فنحن أقوى من أمريكا وأوروبا وروسيا وإسرائيل.. «نحن لا يهمنا أحد، ولا يغلبنا أحد، ولا يقهرنا أحد» وخاصة أنه يرى الجميع حوله يعيش هذه المشاعر الفياضة من الفتوة الجارفة، والقوة الخارقة.. فيعتقد اعتقاداً جازماً أنه الحق الذى لا مراء فيه.

أما رجل الدولة.. فيعمل حساباً لكل دولة حوله، مهما قلت قيمتها، ويحرص على علاقته بالدول العظمى عالمياً، وإقليمياً، ويحسب حساب المتربصين، ويعمل حساب المستثمرين والدول التى تستثمر فى بلاده، ويصوغ علاقاته بالدول جميعاً، ولا يقطع شعرة معاوية بينه وبينهم، فضلا على الاهتمام الأقصى بالقوى العظمى الإقليمية، مثل إيران وتركيا والسعودية والقوى العظمى العالمية، مثل أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبى والصين واليابان.

الثائر يريد محاسبة جميع الذين ظلموا وأفسدوا فى العصر الماضى، ووضعهم كلهم فى السجون، أو على أعواد المشانق فوراً ودون إبطاء، سواء أدانهم القضاء أو لم يدنهم، وسواء أجمعت وسائل الإثبات على إدانتهم أو لا توجد وسائل إثبات على ذلك.. أما رجل الدولة فهو ملتزم بالقانون، ويعلم أن الشريعة الإسلامية نفسها تحول بين أن يحكم القاضى بعلمه، ورجل الدولة يريد العدل وسيادة القانون مهما برأت ظالما، أو أخرجت فاسداً من السجن، ويعلم أن تبرئة مائة ظالم أفضل فى ميزان العدل والشريعة من اتهام مظلوم بغير حق، وأن الدنيا ليست بدار عدل مطلق، بل هى دار عدل نسبى، ولو كانت الدنيا دار عدل مطلق، ما كانت القيامة والموازين والحساب والجنة والنار.

والثائر يريد محاكمة كل رجال الأعمال الذين أكلوا أموال الناس بالباطل، مهما كان دورهم فى الاقتصاد المصرى، ومهما كان حجم الأموال التى ضخوها فى هذا الاقتصاد بل يرى شنقهم، ورجل الدولة يرى أن محاكمة الجميع وسجنهم، ستكون رسالة شديدة اللهجة إلى كل مستثمر مصرى أو أجنبى يستثمر فى مصر، إن هذا مصير الجميع فى يوم من الأيام، ويستحضر رجل الدولة تجربة عبدالناصر فى التأميم، وكيف أدى ذلك إلى تطفيش كل رؤوس الأموال من مصر التى ضعف اقتصادها فى أوائل الستينيات وبعد أن كانت بريطانيا مدينة لنا، أصبحنا مدينين للعالم كله.

هذه هى المشكلة الحقيقية بين الثوار وبين شرف وحكومته والمجلس العسكرى. إنها أزمة فكر بين جيلين.. وحماسة وتريث.. وهدم وبناء.. ومراعاة أو عدم مراعاة لسنن التدرج.. وقد مررنا فى شبابنا بهذه المراحل جميعا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة