أيام الرحمة بدأت ولن تصل إلى منطقة رمضان الوسطى التى تفيض بالمغفرة، ومن بعدها المحطة الأخيرة التى تقطع فيها تذكرة العتق من النار، إلا إذا فزنا بأيام الرحمة هذه، والفوز بأيام الرحمة لا يتطلب منك أكثر من أن تزرعها فى قلبك، وتذهب بثمارها إلى حيث يوجد هؤلاء الذين يسكنون الهوامش.
نحب العناوين الرئيسية فقط، نكره التفاصيل الخالية من النميمة، لا نحب الهوامش ولا نتعامل معها رغم أن كل حساباتنا تنتهى بخطأ كبير.. هذا على الورق.
أما فى الواقع، فنحن نحب الشخصيات الرئيسية فقط، نكره تفاصيل حياة البنى آدمين إذا لم تكن تحمل الكثير من النميمة، لا نحب ساكنى قاع الهرم الاجتماعى وسكان عزب الوالدة وضواحى إمبابة وشوارع بولاق وكفور الصعيد وباقى قائمة العشوائيات، رغم أنهم الصناع الحقيقيون لتلك الثورة، لأننا كما قلنا، لا نحب الهوامش ولا نتعامل معها، وأيدينا لا يصيبها داء الشجاعة والأستيكة التى تسكن بين أصابعنا لا تصيبها نوبة جرأة إلا إذا كان قرار المسح خاصا بأجزاء الهامش.. تشطبه غير آسفة، ولكنها لا تقترب أبدا من العناوين الرئيسية.
نفقد العشرات من سكان الهامش الاجتماعى تحت أنقاض منزل أو فى حريق قطار هو أصلا محروق مسبقا، أو من شدة الجوع، أو بسبب طول الانتظار فى طوابير المستشفيات، ولا تهتز شعرة واحدة فى رؤوسنا، نمصمص الشفايف ونقول ياعينى ياحرام ونشطب ماعلى الهامش ونعود مرة أخرى للعناوين الرئيسية، نطالعها وندعو الله أن ينجينا من سطوتها.
على الهامش يسكن هذا الرجل الذى تشطبه يوميا بالأستيكة حتى لا تتعب قلبك بتذكر الحالة التى يعيش عليها، تذهب إلى عملك فى الصباح الباكر وهذا العجوز بشعره الذى استسلم لبياض المشيب جالس أمام مبنى إدارى يحرسه، دعك من أنفاس العجوز الذى تخطى السبعين ومن المجهود الواضح على وجهه أثناء عملية الشهيق والزفير، دعك من ظهره الذى لم يعد يعرف معنى الزاوية القائمة أم 90 درجة، ودعك من شيخوخته التى تصرخ بوضوح حينما يتحرك، ودعك من التساؤل حول مدى قدرته على حماية انتظام ضربات قلبه قبل حماية المبنى الذى يحرسه، وركز مع من جاء به إلى تلك الوظيفة غير المنطقية، هل يتبارك به؟ ربما ولكنه إن كان يفعل ذلك، فلن تشاهده بعينك وهو ينهره بعنف ليحمل عنه حقائبه، هل يشفق عليه ويكفيه ذل السؤال؟ ربما ولكن لماذا لم يفعل ذلك بشكل يكفى الرجل ذل البرد وتدهور الصحة وقلة العافية ونظرة الناس؟.
فى كل دول العالم يحملون شيوخهم على كفوف الراحة، صحيح أن شيوخ الطبقة الغنية تكون كفوف راحهتم أكثر راحة، ولكن شيوخ الطبقة الفقيرة لا يكون أبدا مصيرهم الشارع والأرصفة مثل مصير شيوخنا.. اللعنة على كل النهايات الحزينة واللعنة على كل المخرجين الذين يعشقونها، وقلة الراحة لكل من لم يسأل نفسه: هل أنا عاق، وهل استبدلت القلب داخل صدرى بحجارة أم لا؟.. رمضان بدأ اسألوا أنفسكم وجاوبوا.. فقط أمام المرآة، ولا تنسوا غيركم ممن قست عليهم الدنيا وجعلت من وصولهم إلى مرحلة إشباع البطن أمرا صعب المنال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة