تحث وثيقة الأزهر، التى تم التوافق عليها قبل أيام، على التداول السلمى للسلطة، وعدم التمييز بين المواطنين، وبناء دولة ديمقراطية حديثة يتفق عليها أطياف الشعب، وهى أهداف نبيلة لن يختلف عليها إلا من كان له «شوق آخر»، من الذين لا يعرفون قدر الأزهر، أو يعرفون ولكنهم لا يريدون إغضاب «الكفيل» الوهابى الذى يعتبر نفسه «صاحب التوكيل». هناك من اعتبر الوثيقة شهادة ميلاد دولة علمانية ملحدة، وهناك من اعتبر تدخل الأزهر غير مطلوب، مثل أبوالعلا ماضى رئيس حزب الوسط، الذى طالب الدكتور الطيب بالاهتمام فقط بإصلاح منظومة الأزهر لتعود إلى سابق عهدها ممثلة وراعية لتيار الوسطية الدينية وترك أمور السياسة للسياسيين، وكنت أتمنى أن يوجه خطابه إلى الفضائيين من رجال الدين لكى يبتعدوا عن السياسة والاهتمام بالدعوة، لأن اللف والدوران حول الاستفتاء وغزوة الصناديق لا يعنى العمل بالسياسة. فضيلة شيخ الأزهر يطمح أن يكون الدستور الجديد «ميزاناً عادلاً بين الشعب المصرى بكل أطيافه، يضمن حقوق الجميع من غير تفرقة ولا تمييز، ويقضى على كل دواعى القلق والتوجس لدى أى فصيل من فصائل الجماعة الوطنية»، وهو طموح لا يرضى القتلة المتقاعدين ولا الذين كفروا الخارجين على الرئيس السابق، والذين ستظهر قاماتهم القصيرة إذا نهض الأزهر - بتاريخه الوطنى وعلمائه الأنقياء ونفوذه الروحى - أمام الجميع، الأزهر الذى ظل حافظاً لعلوم القرآن ودراسات الشريعة ومذاهب الفقه طوال تاريخه، ولم يتورط فى ألاعيب دعاة الفتنة، وارتبط علماؤه - بزيهم المحبب - عند الناس بالسماحة وتقريب وجهات النظر، إلى الدرجة التى جعلت الرئيس الإيرانى السابق محمد خاتمى يقول: «إننا نتطلع إلى أن يقود الأزهر العالم الإسلامى - سنة وشيعة - احتراماً لمكانته وتقديراً لسماحته واعترافاً بوسطيته». مسيرة الأزهر لا تحتاج إلى إشادة، فهو طوال الوقت - باستثناء فترات قليلة - كان عنوانا للتجديد بفضل علمائه الكبار أمثال الدمنهورى ورفاعة الطهطاوى والخراشى ومحمد عبده وآل عبدالرازق وشلتوت وعبدالمتعال الصعيدى، وصولاً إلى إلى شيخه الحالى أحمد الطيب، وعندما يقترح الأزهر وثيقة استرشادية تهدف إلى بناء دولة ديمقراطية وطنية، فهذا يعنى أنه انحاز - فى لحظة يرفع فيها علم السعودية فى ميدان التحرير المصرى - إلى الحداثة، لأن خبرته الطويلة علمته أن التاريخ لن يعود إلى الوراء، وأن المستقبل يسع الجميع. لا أدرى لماذا لا تتم طباعة الكتب التى خاض بها علماء الأزهر معارك ضد الفكر الجامد فى الماضى، بدلاً من الركون إلى دعاة الفضائيات الخليجية والذين يريدون تنحية الذين يملكون وجهة نظر أوسع وأرحب، مثل كتاب الشيخ محمود شلتوت «الإسلام عقيدة وشريعة»، والشيخ عبدالمتعال الصعيدى الذى عرف الحرية السياسية فى كتابه «حرية الفكر فى الإسلام» بأنها عبارة عن احترام رأى الفرد فى الحكم بحيث لا تضيع شخصيته فى شخصية الحاكم، بل يكون لرأيه سلطانه فيما يراه، ولو تعلق بشخص الحاكم نفسه، فيكون له الحق فى معارضة إسناد الحكم إليه، وفى نقد أعماله بالوسائل النزيهة فى النقد»، وعرف الرجل الحرية الدينية «بأنها حق الإنسان فى اختيار عقيدته الدينية، فلا يكون لغيره من الناس سلطان عليه فيما يعتقده، بل له أن يعتقد ما يشاء، فى حدود ما تبيحه حرية الاعتقاد، من الدعوة إلى ما يعتقده بالتى هى أحسن، فلا يكون لغيره حق استعمال القوة فى دعوته إلى عقيدته، ولا يكون لغيره حق استعمال القوة معه فى إرجاعه إلى عقيدته إذا ارتد عنها، وإنما هى الدعوة بالتى هى أحسن فى كل الحالات، وإذا لم يكن لغيره حق استعمال القوة معه لم يكن له أيضاً حق استعمال القوة مع غيره، حتى يتكافأ الناس فى هذا الحق، ولا يمتاز فيه واحد بشىء دون الآخر، وإنما هى حرية مطلقة لكل الأشخاص، وحرية مطلقة فى كل الأديان، وحرية مطلقة فى جميع الحالات على السواء».. هذه هى الروح التى تحتاجها الأمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة