بداية نقول إنه لا مبادئ فوق الدستور، وإنما نقول هناك مبادئ استرشادية يأخذها فى الاعتبار من يضع الدستور أياً كان، وتعد وثيقة الأزهر أهم وثيقة يمكن الاستناد إليها فى ذلك.
فهى لم تشر من قريب أو بعيد إلى الدولة المدنية، وإنما أشارت إلى مصر باعتبارها دولة وطنية دستورية، وأوضحت معنى كون الدولة الديمقراطية، وهى أنها ليست دولة كهنوت أو رجال دين، كما أنها دولة لها دستور ترتضيه الأمة، وفكرة الرضا فى الواقع من أهم الأفكار السياسية، التى يجب أن نلقى الضوء عليها فهى أحد المخرجات المهمة لأى نظام سياسى، أى شعور الناس بالرضا، وهى ترى - أى وثيقة الأزهر - الديمقراطية باعتبارها آلية وليست فلسفة وهذه الآلية تحقق للناس مصالحهم.
واعتبرت الوثيقة أن الديمقراطية كآلية ليست مطلقة عن الشريعة الإسلامية بل هى مرتبطة بها، فالمبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع ومن ثم لا يجوز أن تنفك الديمقراطية كآلية تسير مصالح الناس وكأداة لإدارة المجتمع عن الشريعة الإسلامية.
ومن هنا فإن الديمقراطية هنا استخدمتها الوثيقة بذكاء وبمهنية فى كتابة النص بحيث تكون آلية لإدارة المجتمع ووسيلة لتحقيق مصالح الناس، ولكنها لا ينبغى بحال أن تتعارض مع المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية.
كما أن الشريعة الإسلامية تضمن لغير المسلمين الاحتكام إلى شرائعهم فى مسائل الأحوال الشخصية، وفى ظل الشريعة الإسلامية تلك تحقق العدل وتحققت الحرية والمساواة والازدهار لغير المسلمين داخل الحضارة الإسلامية، وأنا هنا أحيل فقط إلى كتاب فيلب فارح ويوسف كرباج المهم والفريد عن المسيحيين واليهود فى التاريخ العربى الإسلامى والتركى.
والمتعمق لوثيقة الأزهر سوف يلحظ أن نصها أشار بشكل واضح إلى أن الديمقراطية بالمعنى السالف إنما هى الصيغة المعاصرة للشورى الإسلامية من حيث تداول السلطة والتعددية والمراقبة والمحاسبة للمسؤولين، وحيث ملاحقة المفسدين وتحقيق الشفافية التامة وحرية الحصول على المعلومات وتداولها.
وأشارت الوثيقة إلى اعتبار المواطنة مناط المسؤولية بمعنى أن يكون توازن الحق والواجب وتعادله هو أساس المواطنة فكل حق مقابله واجب والتزام وشعور بالمسؤولية.
وتضع الوثيقة ما يمكن أن نطلق عليه أساسا للحوار والتفاعل بين القوى الاجتماعية والسياسية فى المجتمع المصرى، وهو الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاق الحوار بعيدا عن التخوين أوالتكفير، وأن يكون الحوار متكافئا بين الأطراف المختلفة بعيدا عن توظيف الدين من أى طرف كان نحو إثارة الفتنة الطائفية أو النعرات العنصرية التى تهدد أمن مصر واستقرارها.
وأشارت الوثيقة إلى التوازن بين الخصوصية المصرية، وتلك العالمية كمنجز حضارى وإنسانى مع تأكيد سمة التسامح فى العلاقات بين الشعوب والدول.
كما تابعت الوثيقة مسألة الإبداع والفنون والآداب بما لا يتعارض مع القيم الحضارية، ودعت إلى حماية دور العبادة والحق فى ممارسة الشعائر لاتباع الديانات السماوية فقط، وليس لأولئك الذين يتحدثون عن فئات من الناس يخترعون بدعاً من الهرطقة يحاولون أن يحصلوا على حقوق ليست من حقهم مثل البهائيين أو غيرهم.
ونوهت الوثيقة إلى البرنامج الاجتماعى - الاقتصادى للمصريين، مستندة إلى فقه الأولويات وهو القضاء على الفقر والبطالة.
نحن مع استقلال الأزهر ومع دوره الوطنى الجامع لكل القوى الوطنية على كلمة سواء، ومن هنا كان دعمنا الكامل لوثيقة الأزهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة