مخطئ من يظن أن مبارك ترك بداخلنا أمراضا وضعفا وفسادا وكسادا فحسب، وفى الحقيقة فإن أكثر شىء الآثار السلبية لعصر مبارك هى تدميره للعديد من مقومات الشخصية المصرية الأصيلة، تاركا بداخلها هوانا واستكانة وضعة وابتذالا وتواكلا وسلبية وتراخيا، صفات مقيتة، نراها كل يوم فى شوارعنا ومياديننا ومؤسساتنا وممارساتنا اليومية، تدمر ما اكتسباه عبر آلاف السنين من حضارة ورقى وتسامح، وتنخر كالسوس فى دولتنا التى نهضت من غفوتها آملة أن تستعيد فى المستقبل ما فقدته فى الماضى القريب.
أسأل نفسى: هل هذه الصفات المخجلة دخيلة على المصريين أم أنها متأصلة فيهم؟ لكن قبل أن أكمل السؤال أتذكر على الفور لقاء قناة العربية مع أحد جنود التحرير المجهولين حينما سأله المذيع: لماذا أنت هنا، فرد بتلقائية غريبة وبليغة: أنا هنا لنرجع مصر إلى سابق عهدها، ونرى مصر التى نسمع عنها فى التاريخ، والحمد لله أننا رأيناها.
هذه الخواطر دارت ببالى وأنا أراقب ردود أفعال الناس حول اعتداء إسرائيل على الجنود المصريين فى سيناء لتصيبهم وتقتلهم بالرصاص المحرم دوليا مدعية أن هذا العدوان الغاشم «خطأ غير مقصود» فبعض الشرفاء من أبناء هذا الوطن انتفضوا وحزنوا على إخواننا على الحدود، وطالبوا بطرد السفير الإسرائيلى من مصر، وسرعة الرد على هذه الوقاحة الدموية، حتى من يرى منهم أن المجلس العسكرى ارتكب بعض الأخطاء الجسيمة تغاضى عن معاركه معه وتناساها فى حضور المعركة الأم بين العدو الأزلى والشعب المصرى، لكن كما أظهرت هذه المشكلة نبل البعض وثباتهم على الوطنية، أظهرت أيضا عيوبا جمة فى الشخصية «الفلولية»، التى ما زالت تردد كلام مبارك الأجوف عن أهمية السلام وبشاعة الحرب.
لا تحلم إسرائيل بأكثر من هذا الخنوع، ولا تريد منا إلا أن نهزم أنفسنا قبل أن تحاول محاربتنا، عبر إشاعة جو من المسكنة والهوان بين الشعب المصرى، لنغفل عن أنها «ميتة فى جلدها» من حركات التحرر العربى، ومن سقوط عملائها التاريخيين وكنوزها الاستراتيجيين، واحدا تلو الآخر، ولذلك فعلينا أن نتخلص من هذه التركيبة الفلولية المتراخية بالتزامن مع تغيير سياستنا تجاه إسرائيل، من معاملة الحليف للحليف، إلى معاملة الند للند.
الفلول يرون أن تطور العلاقة بين مصر وإسرائيل على هذا النحو مدعاة لليأس والإحباط والخوف، بينما يرى الثوار أن هذه الاضطرابات فرصة تاريخية لبسط السيادة المصرية الكاملة على سيناء وإدخال عناصر الجيش وحرس الحدود إلى خطوط الدفاع الأولى، لتتحرر سيناء وتعمَّر بشكل حقيقى لتستفيد الدولة المصرية بهذه الأرض الغالية الاستفادة القصوى، لأننا دفعنا مهرها من دماء أشرف أبنائها، فاختر إلى أى جنب تميل.