قبل أن أخط كلمة واحدة فى هذا المقال أصر على التأكيد أننى لا أقصد به أن أمنح مهنتى أو نفسى، باعتبارى صحفية، أهمية ربما لا نستحقها من وجهة نظرى، ولكنى أقصد أن أشرك القارئ معى فى معضلة أقف أمامها حائرة رغم أنى جزء منها.
ليس هناك من مراقب للمشهد المصرى الآن، أيا كان توجهه أو مستواه، إلا وهو يشير إلى مأزق واتهام للإعلام مكتوبا ومسموعا ومرئيا بأنه فى حالة انفلات موازٍ للانفلات الأمنى حتى أن الفريق سامى عنان قد صرح بأن مصر تواجه عدة عقبات كبرى من بينها الحالة الاقتصادية والإعلام والحالة الأمنية، مما يؤكد أن ولاة أمرنا، حتى الآن، يضعون الإعلام فى سلة الأهمية مع الاقتصاد والأمن.
ولأنى من أهل الدار وجب على لحق القارئ الذى نعمل لدية أن أرصد بعضا من ظواهر الخطر علّى أكون قد بلغت اللهم فأشهد.
-1 كانت لغة الخطاب الإعلامى قبل الثورة قد تدنت وأصبحت تشبه لغة الشارع لأن الإعلامى أو الصحفى يبدو وكأنه يحرث فى أرض بور فنقول ما نقول ونكتب ما نكتب ولا أذن تسمع ولا مجيب من مسؤول أو تغيير، وكانت مصادر المعلومات شحيحة وصعبة مما يعطى المجال لكثير من الأخطاء وتصورت أن بعد الثورة الحال يجب أن يكون مختلفاً وأن لغته وعمله يجب أن يتسمان بالمهنية أكثر لأن الكلمة الآن ليس فيها من وسطية، فهى إما نور أو نار قد تحرقنا جميعاً، وللأسف أغلب كلمات الإعلام صارت ناراً فيها كثير من الفبركة والكذب والخروج على المهنية، فإن تخرج علينا أخبار مثلاً تقول إن هناك من شاهد علاء وجمال مبارك على كوبرى 15 مايو وغيره أو ما مثله من أخبار ملفقة وهى بالمئات كل يوم، يعد خيانة لبلد على سطح صفيح ملتهب. والغريب أن لا أحد يعتذر أو يراجع نفسه ومهمته.
-2 على مدى التاريخ كان هناك دائما صاحب فكر سياسى أو اتجاه ما يسانده صحفى يؤمن بأفكاره وفى بعض الأحيان القليلة كان أصحاب الفكر أو الثوار أنفسهم صحفيين مثل حالة مصطفى كامل مثلاً، ولكننا الآن ما عدنا نفرق بين الاثنين فكل الثوار أو أشهرهم على الأقل صاروا صحفيين ومذيعين وكأن الصحف ومحطات التليفزيون تغسل وجهها بهم، وكأن ما تعلمناه من ضرورة الحياد الإعلامى صار فعلا ماضيا لابد من ركنه على الرف.
-3 فى سنه أولى إعلام علمونا عبارة قالوا لنا إنها جوهر عملنا وهى: مَن يقول ماذا ولمن ومتى وبأى طريقة؟ ولكن يبدو أن إعلامى صحفى بعد الثورة نسوا ما تعلموه بدليل أن كل الضيوف ناشط حقوقى أو سياسى وكأنها وظيفة ولا أحد يقول للمشاهد ماذا يعمل هذا الضيف بالضبط، وكأن النشاط الحقوقى مهنة والخبير الاستراتيجى مهنة، وعضوية ائتلاف الثورة مهنة، فلم أجد مذيعا واحدا لوجه الله والمشاهد يسأل سؤالا مثل: كم عدد أعضاء ائتلاف حضرتك؟ أو من تكون حضرتك؟ ولكنه يكتفى بتقديم مبهم لرأى يسمعه الملايين دون أن أعرف من يقول؟ ولماذا؟
عشرات بل مئات من أخطاء وخطايا يصعب رصدها فى مقال أو حتى عشرة، ولكن الأزمة الحقيقية أنها ليست خطايا ولا أخطاء فى حق مهنة أو أشخاص ولكنها خطايا فى حق أمة على سطح من صفيح ساخن فهل يدركون ويقدرون أَم سيهوون بنا جميعا وهم معنا.