تقول الجغرافيا إن سيناء «شبه جزيرة» بينما الواقع يقر بأنها جزيرة «كاملة الأوصاف» ذلك لأنها تعيش فى انعزال ثقافى تام عن المجتمع المصرى، وحتى وقت قريب لم يكن التليفزيون المصرى يصل إلى ربوعها، وكانت أجهزة الراديو بها تستقبل إذاعة تل أبيب ولا تقوى على استقبال إشارة صوت العرب، بينما تغيب بقية الأنشطة الثقافية الأخرى عن المشهد الثقافى السيناوى، فلا مسرح ولا سينما ولا أمسيات شعرية وقصصية ولا ندوات أو مناقشات، ولا متاحف ولا آثار، ولا يحزنون.
عاشت سيناء منذ استردادها ثلاثين عاما من العزلة، جعلناها حراما على أبنائها، حلالا للأغراب، اقتصاديا أغلقها مبارك على أصدقائه وعملائه ورجاله، وسياسيا عزلها عن متغيرات العالم ونظمه السياسية والتنظيمية، وثقافيا تركها كابن ضال تتقاذفه الأنواء والأمواج والرياح والعواصف، فلا اهتم بثقافتها المحلية وتجلياتها المختلفة، ولا حاول أن يدخل إليها بعضا من ثقافة النخبة، لتصبح مثل الشقة الخالية، متأهبة لمن يسكن فيها فيعدل ما بها على مزاجه، ويعيد تشكيلها على هواه، ولا يخفى على أحد أن إسرائيل هى المستفيدة الأولى من هذا الوضع.
كان طبيعيا وسط هذا الفراغ الثقافى المقيت أن تصبح سيناء عرضه للثقافات الدخيلة، وأن ينظر أبناؤها إلى القادمين من المدن المصرية باعتبارهم «وافدين» وأغرابا، وما زاد الطين بلة، هو تعامل الأمن المصرى معهم بعنف مضاعف جعل كرههم للدولة المصرية الرسمية فى ازدياد، ولذلك كان طبيعيا أن يكون بين أبنائها من يهدم الأقسام والتماثيل ومن يحاول فرض سيطرته عليها رافضا أى وصاية من الدولة الرسمية.
بعد أحداث سيناء الأخيرة وتطاول إسرائيل على مصر وأرضها الغالية وأبنائها الأشراف، نادى الجميع بأهمية تعمير سيناء وعمل مشاريع اقتصادية ضخمة، لكنى أرى أن الإعمار الثقافى والاجتماعى أهم وأولى، ولنكن على حذر فى هذا الشأن، بالشكل الذى يضمن الحفاظ على هوية سيناء وتاريخها وخصوصيتها وفى ذات الوقت نضيف إليها من الثقافات الحديثة ما يجعل شخصية أبنائها فى تلاحم دائم مع الحالة الثقافية العامة فى مصر.
من وجهة نظرى فإن إعمار سيناء ثقافيا «قضية أمن قومى» لذلك أدعو المجلس العسكرى، والدكتور عصام شرف، والدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة والدكتور شاكر عبد الحميد أمين المجلس الأعلى للثقافة ومنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية الثقافية ورجال الأعمال إلى تبنى فكرة إعمار سيناء ثقافيا بالتوازى مع إعمارها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ووضع خطة متكاملة لكسر عزلة سيناء الثقافية، وتنمية ثقافتها المحلية والحفاظ عليها، فالثقافة هى التى تعمق معنى الانتماء وترسخ مفهوم الهوية وتجعل كل منا يحمل وطنه فى قلبه، فيتملك كل منهما الآخر، بدلا من أن ننظر إليه باعتباره وطنا بالإيجار.