القذافى ليس مجرد ديكتاتور حكم ليبيا طوال 42 عاما، وأساء إلى الثورة والثوار وعمر المختار، لكنها طريقة تفكير تستحق الدراسة فى معاهد الفكر السياسى، ومعامل الطب النفسى. القذافى ظاهرة نفسية وعصبية واسعة الطيف، ممتدة المفعول، انتهى من أحد قادة الاستقلال إلى ديكتاتور أشد من الاستعمار.
ويمكن فى حال دراسة حالة القذافى نفسيا وعصبيا، أن تكشف بعض الحلقات المفقودة بين الإنسان والقذافى.
الرجل الذى يحكم ليبيا منذ عام 1969 أهدر ثرواتها طوال عقود على مغامرات تافهة وفاشلة، مع أنه لم يكن بحاجة إلى كل هذا الهراء. فليبيا دولة قليلة السكان، غنية بالبترول، كان يمكن مع بعض العقل أن تصبح دولة صناعية، أو تجارية، أو زراعية.
لكن القذافى ترك كل هذا وتفرغ حينا من عمره، وفرغ البلد لإنتاج وتوزيع الكتاب الأخضر الذى قدمه فى صورة مكتوبة، وأخرى مسموعة، وثالثة كبسولات وشروحات وشراب وأقراص ولبوس، وجميع أنواع الأشكال والأشربة، وأنفق مليارات على هذا الشىء من شروح ومتون رموش الأخضر، ومن أجل أن يشرح نظرياته الخضراء فى أن السياسى يسوس، والماشى يمشى، والبطة تتبطبط.
والغريب أن العقيد معمر وجد له آذانا صاغية تعاملت مع مخرجاته الفكرية على أنها سبوبة، وأخذت من أموال الشعب الليبى لتعيد شرح المشروح.
مغامرات القذافى لم تتوقف عند الكتاب الأخضر، وإنما تخطته إلى مغامرات وألعاب استهلكت أموال الشعب الليبى دون أن تعود بأى فائدة.
ومن أعاجيب مشروعات القذافى كان النهر الصناعى العظيم، وكانت فكرته تقوم على تجميع مياه الآبار فى مواسير وتخزينها، وإعادة ضخها، وأقنع بعض المغامرين القذافى بها، بالرغم من تحذيرات خبراء قالوا إن تكلفة النهر الصناعى أضعاف العائد منه، وتوقعوا انسداد المواسير بالرمال، وهو ما حدث بالفعل، حيث تحول النهر المزعوم إلى سراب، وكل ما جرى أن امتصت الصحراء ما يقترب من 300 مليار دولار على الأرض.
ولأنه القذافى الذى يتصرف بالإرادة الفردية، ودون أى خبراء غير المستفيدين منه، فلا يوجد من يحاسبه على إهدار مليارات فى الرمال، ومثل هذه المغامرات كثير جداً فى ليبيا، وتبدو مضحكة، مع أنها تدعو للحزن على أموال الشعب الليبى الذى تعانى شريحة واسعة منه الفقر والبطالة والمرض، بينما يفترض ألا يكون هناك فقير بين الليبيين لولا مغامرات العقيد الذى أضاع الثروات على مغامراته العبيطة. والمثير أن القذافى كان يتمسح طوال الوقت فى عمر المختار الذى ناضل ضد الاستعمار الإيطالى سنوات، وأعدم وهو فى الثمانين من عمره، بينما القذافى كان يقتل ويعدم كل من كان يطالب بالحرية، أو يعترض على الألعاب والمغامرات الصبيانية لزعيم كان مصابا بكل أمراض السلطة، ولو لم يكن حاكما، ربما كان مصيره مستشفى المجانين، ليظل يصرخ من على التوك توك: من أنتم.. من أنتم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة