قد تكون صدفة.. لكنها فى الأغلب أكثر من هذا.
الحنين لكل ما يمتّ للقرن العشرين بصلة، أو لبداياته بمعنى أصح، لا يتضح ذلك من الأعمال الدرامية التى تحظى بنسب مشاهدة عالية فى شهر رمضان الحالى وسابقيه فى السنوات الماضية فحسب؛ بل حتى فى مناخٍ عام، تلخصه الموسيقى «المقتبسة» لأحد أشهر الإعلانات التى تلقى شعبية هذا الشهر. إن لجوء صانعى الإعلانات منذ عامين إلى استخدام موسيقى لأغنيات اشتهرت فى منتصف القرن الماضى، ثم إلى بداياته، هذا العام، يعكس أكثر من مجرد محاولة لاستغلال موسيقى جميلة، أو شيوع لجملة موسيقية ناجحة.
حين تكون موسيقى العظيم سيد درويش، هى وسيلة ناجحة لاجتذاب شريحة عمرية، تُتّهم طوال الوقت بسطحية الذوق، يعنى هذا أن تحولاً ما يجرى، أدركنا هذا بوضوح يوم 25 يناير الماضى، الذى كان مؤشراً لأن تحولات كبيرة سبق أن وقعت، دون أن تلفت نظر المحللين، أنتجت جميعها نتائج سنبقى فى محاولة استيعاب أبعادها مدةً طويلة قادمة. ومن المدهش أننا ندور لنعود إلى بداية الدائرة من جديد، وكأننا فى بداية القرن العشرين، نستمع لموسيقى سيد درويش فتُطربنا، صحيح أن استخدامها لإعلان عن شركة اتصالات هو مجرد محاولة لصنع إعلان جذاب، لكن المؤكد أن اختيارات صناع الإعلانات لا تأتى عشوائية، وأن اختيار موسيقى إعلان يكون بناء على توجهات الذوق العام، فإذا كان الذوق العام يقودنا إلى سيد درويش.. فألف مرحباً.
سيد درويش الموسيقار الذى صنع نهضة الموسيقى المصرية ومنحها هويتها، قد يكون الدليل إلى تشكيل وعى مجتمعى جديد يحترم الموسيقى الراقية، لو أن أحداً انتبه إلى أن موسيقاه الخالدة، تلقى كل هذا القبول لدى جيل تعرض لكل مؤثرات التشوه الموسيقى والجمالى.. فلم يتأثر. إن «التسويق» عن طريق موسيقاه الآن يدل بقوة أن الذوق المصرى الشاب مؤهل بشدة لكل ما هو جميل.
ولأننا فى وقتٍ البحث فيه عن «الهوية» هو مربط الفرس؛ فإن التمسك بكل ما يمثل «هويتنا المصرية» هو فرض عين، وما أحوجنا لأن نقرأ ونتعرف على المعارك الفكرية التى سادت بلدنا الجميل بداية القرن الماضى، عسى أن يكون فيها الدليل فى زمن الالتباسات الكبرى.