د. محمد شومان

الانفلات الأمنى إلى أين؟

الأحد، 28 أغسطس 2011 04:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أظن أنه لا يمكن الحفاظ على التأييد الشعبى للثورة فى ظل غياب الأمن، ولا يمكن استعادة عافية الاقتصاد خاصة السياحة فى ظل استمرار الانفلات الأمنى، ومن المستحيل إجراء انتخابات نزيهة فى ظل غياب الأمن، ودخول فئات جديدة لعالم البلطجة، فغياب الشرطة عن بعض المناطق وتراخيها عن أداء أدوارها فى مناطق أخرى إيثارا للسلامة شجع بعض العاطلين عن العمل على ممارسة البلطجة المادية والمعنوية، وأقصد بالأخيرة كل انتهاك للقانون يحدث بتعمد وعن إدراك كامل بأن ما يقوم به الشخص مخالف للقانون مثل التهديد باستخدام القوة، والسير عكس الطريق وافتراش الباعة الجائلين الرصيف ونهر الطريق.

وحتى نتفهم ثقافة وسلوك البلطجة، وتراخى الشرطة نلاحظ
أولا أن بعض الفئات - من طبقات ومستويات تعليمية مختلفة - تفهم وتمارس الثورة على طريقتها الخاصة وبما يحقق مصالحها، فالثورة تعنى عند هؤلاء نهاية القانون والنظام العام وموت الشرطة فى خلط غريب بين ملفات متناقضة، فالقانون لم يكن من إنتاج الرئيس المخلوع، وإذا كان المصريون تمردوا على الحكم وتخلصوا من خوفهم الموروث من السلطة ورموزها، فإن ذلك لايعنى استمرار التمرد على أى سلطة وفى كل وقت، ورفض القانون، فلا يوجد مجتمع حديث بدون قانون، ولا يوجد مجتمع بلا شرطة منضبطة فى سلوكها بالقانون وحقوق الإنسان.

ثانيا: إن التغيرات الثورية التى حدثت فى الشخصية المصرية وفى الساحة السياسة لم تصل إلى أذهان ووعى جهاز الشرطة، ويبدو أن أغلبية رجال الشرطة يريدون العودة للممارسة عملهم بنفس المنطق الاستعلائى، وبنفس الأدوات والآليات، التى لا تحترم كرامة المصريين وحقوق الإنسان، لذلك وقعت مؤخرا صدامات ومواجهات عنيفة ضاعف من أزمة الثقة والمخاوف بين الشرطة والشعب.. وأعتقد هنا أن رجال الشرطة مظلومون لأنهم يعملون، كما تعلموا وتعودوا، فخبراتهم السابقة تقوم على العمل بدون قواعد أو قوانين، وبطريقة أن الشعب فى خدمة الشرطة!! من هنا لابد من إعادة تأهيل جهاز الشرطة، وتدريبه على العمل الشرطى فى إطار دولة ومجتمع ديمقراطى، وهناك تجارب عربية ودولية كثيرة - العراق وفلسطين وجنوب أفريقيا وكولومبيا وبولندا وجورجيا - نجحت بمساعدة الامم المتحدة فى إعادة تأهيل أجهزة الشرطة فى دول استبدادية وشمولية إلى دولة تتحول نحو الديمقراطية.

وكانت الإشكالية دائما هل نبدأ بالإصلاح فى الشرطة أولا أم فى النظام السياسى؟
ثالثا: إن وزارة الداخلية لا تمتلك رؤية أو إرادة حقيقية للتغيير وإعادة التأهيل، فالوزير الشريف والمخلص لا يكفى لإنجاز المهمة، وفى يقينى أنه أخذ وقتا طويلا دون أن ينجز مهمة استعادة الأمن، وبالتالى وعليه أن يرحل هو وكثير من قيادات الوزارة، الذين تربوا واكتسبوا خبراتهم فى ظل نظام كان يشجع على الفساد وانتهاك القانون وحقوق الإنسان، ولابد من تسليم القيادة إلى أجيال جديدة لديها استعداد أكبر بحكم السن والخبرة على التعلم والتغير، والتجديد.. لقد أضاع اللواء العيسوى وقتا ثمينا فى ادخال تعديلات شكلية على إداء جهاز الشرطة، لم تنجح فى القضاء على الانفلات الأمنى وانتشار ثقافة وسلوك البلطجة، حتى إن بعض الأصوات الناقمة تتحدث عن تباطؤ مقصود أو إضراب غير معلن لأغلبية رجال الشرطة حتى تعود الشرطة بشروطها وبنفس الوسائل، التى كانت تمارس بها عملها قبل سقوط مبارك.. أى أن تصبح مصر أمام معادلة إما استمرار الفوضى الأمنية والبلطجة أو تعود الشرطة بنفس صلاحياتها وتجاوزاتها السابقة.

لكن أنا على يقين أن ضمير ووطنية رجال الشرطة لا يسمحان لهم أن يفكروا أو يعملوا بالطريقة السابقة، لقد قام كثير من ضباط وجنود الشرطة بواجباتهم، وقاموا بأعمال بطولية وقدموا تضحيات غالية فى محاولة استعادة الأمن والقضاء على البلطجة، لكن كبار جنرالات الشرطة لا يقدمون المساعدة المطلوبة - أغلبهم من فلول النظام - ويطرحون قضايا وهمية تربك جهاز الشرطة مثل من يحمى رجل الشرطة من المساءلة القانونية إذا أطلق الرصاص على بلطجى أو مجرم هارب؟
يا سادة القانون وقواعد العمل الشرطى كافية لحماية رجال الشرطة وتأمينهم، لكن المهم أن تطبق، وأن يجرى تغيير الوزير وقيادات الداخلية، تغيير بمعنى التطهير وليس مجرد الإحالة القانونية للمعاش، ومع التطهير لابد من التعلم من تجارب الدول الأخرى، التى تحولت من الاستبداد إلى الديمقراطية، وتحول معها جهاز الشرطة فلا ديمقراطية بدون شرطة مهنية تخضع للقانون وللرقابة الداخلية والبرلمانية، علاوة على رقابة المجتمع المدنى.. لا شك أن المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، ومن الضرورى إشراك الشعب والجيش فى القضاء وبسرعة على كل مظاهرالانفلات الأمنى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة