أى لعبة رخيصة تلك التى يلعبها الفريق أحمد شفيق هذه الأيام؟.. لا أحد يصدق أن الرجل الذى اختفى لشهور بعد الثورة، يقاوم رغبات عديدة تدفعه دفعا لكى يرشح نفسه للرئاسة وهو يتمنع ويرفض ويماطل، ويرتدى ثوب الزاهد فى المنصب، وكأنه أصبح مضمونا له، لا ندرى أى شيطان مريد هذا الذى أقنع شفيق أنه حينما يخرج على الناس ليعلن أنه «يدرس الترشح إذا وجد الظروف الملائمة»، سيهب الناس لاستقباله بالمزمار البلدى، وكأنه أحد الفاتحين، أى نوع من النسيان العجيب يغرى شفيق بأن يشهر سيف النزاهة والوطنية، وكأنه انسلخ من علاقته بالنظام السابق، وتجاهل أنه كان عمودا شامخا فى خيمة مبارك، وأطل علينا برأسه وكأنه المنقذ من الضلال والرئيس المنتظر والرجل صاحب الكاريزما الجبارة، الذى سيلقى كل مرشحى الرئاسة الحاليين «عديمى الكاريزما» على حد وصفه، فى أقرب صندوق قمامة.
نحن نتفهم سعى بعضهم فى إغواء الناس بترشيح رجل عسكرى، فى وقت يشتاقون فيه للحزم والصرامة مع اللين الذى تظهره حكومة تسيير الأعمال، ولكن لا نبتلع أبدا حالة الحفاوة، التى يغمر بها المجلس العسكرى الرجل، وهى واحدة من جملة المتناقضات فى سياسة المجلس، فكل المحاولات التى يسعى فيها الرجل، ويعينه عليها آخرون لن تنجح فى أن نبتلعه، وهو غارق حتى ياقة قميصه فى دماء الذين قتلوا، وأصيبوا فى موقعة الجمل بميدان التحرير، لا أقول إنه فلول أو إنه من قتلة الثوار أو حتى من الثورة المضادة، ولكنه كان ساكتا عن الحق، ومدافعا عن الباطل، ومنشغلا بالحوارات التليفزيونية وبلون البلوفر الذى سيرتديه فى مؤتمراته الصحفية، أكثر مما كان يعنيه هؤلاء، الذين قتلوا بالرصاص الحى وكسر الرخام وتحت أقدام الخيول والجمال.
تلميحات شفيق عن زهده فى مقعد الرئيس وشروطه الوهمية للترشح، تثبت حقا أن سباق الرئاسة فى مصر أصبح، مسرحا هزليا كبيرا يرقص فيه ممثلون عديمو الموهبة، عجائز قد ملئوا وجوههم بالأصباغ، فبدوا وكأنهم مسوخ قبيحة، وأصبحت الساحة السياسية مرتعا للقرود والثعابين والكائنات الخرافية، وتناسى الجميع أن تلك الثورة لم تأت لخدمة مصالحهم الشخصية ولا لتحقيق أحلامهم الخاصة بعدما حرمهم منها النظام السابق، تلك الثورة قامت لتمكين الأجيال القادمة من أن تأخذ دورها بعد أن أضاعتنا حكمة الشيوخ، فلنجرب طيش الشباب ونزق الصبية فى تجربة الحكم وإعادة بناء الدولة المصرية شكلا وموضوعا، فالرئيس القادم لمصر قد لا يكون وحده بالضرورة صانعا لمستقبلها، ولكن من الضرورى أن يكون صورة لهذا المستقبل، فهل أنتم تريدون صورة هذا المستقبل مرهونة بنسخة مشوهة من الماضى الفاسد أم من الفلول أم واسع الذمة يرقص على كل الحبال، أم تريدونه ثعبانا يخدم جماعة ما، أم فظا غليظ القلب يمشى بين الناس بالسيف مرتديا عباءة السلف، أم تريدونه غريب الأطوار كثير الاختباء قليل الكلام.