كوب دماء، وطبق طوب، وأعداد لا تحصى من العصى والشوم، وكام شتمة بالأب والأم، على كام لعنة لسلسافيل الجدود، والأمر لا يخلو من بعض الصواعق الكهربائية، أما الحلو فبضع بونيات ميرى.. اتفضل.. مد إيدك.. أنت مدعو على الإفطار فى ميدان التحرير، مجلسنا العسكرى اختار لك تشكيلة منتقاة من انتهاكات حقوق الإنسان، وقدمها أول أيام رمضان لمعتصمى ميدان التحرير وأهالى شهداء البتاعة دى اللى بيسموها ثورة، لا تستهن بالمجهود المبذول فى إعداد المائدة، واعلم جيدا أنها ثمرة تعاون خلاق بين الداخلية المجلس العسكرى، واعلم أيضا أنها مشفوعة بفتوى كبار علمائنا من السلفيين الأفاضل بحرمانية الاعتصام وجواز فضه بالقوة من ولى الأمر، ومدعومة بترحيب إخوانى جهادى إسلامى مشترك، ولا تشغل بالك بأن المعتصمين كانوا متضامنين مع أهالى الشهداء الذين كانوا يطالبون بالقصاص العادل لدماء أبنائهم، ولا تكن سىء النية وخبيث الطوية وتلحظ المفارقة بين التأكيد على أن المجلس العسكرى "حمى الثورة" وضربه لأهالى الشهداء فى أول أيام رمضان، انس كل هذه الأمور وقل لنفسك: "كل سنة وأنا طيب ومن بعدى الطوفان".
لا تجعل ضميرك يستفرد بك ليلومك ويؤنبك وينغص عليك حياتك، قل لنفسك: "أحسن ما هما يستاهلوا دول موقفين حال البلد"، أوهم نفسك بأن البلد كانت شغالة والأشية كانت معدن، وقل وأنت مطمئن إن الأمن والأمان كان يرافقنا ويلتصق بنا لولا ولاد الـ.. .. بتوع التحرير، فهم الذين أغضبوه وأبعدوه عنا، انس كل شىء وتذكر فقط صورة مصر فى تليفزيون أنس الفقى قبل الثورة، حيث النيل والأهرامات وحضارة آلاف السنوات، وإياك أن تتجرأ وتنسب المعروف لأهله والخطأ لمرتكبيه والقائمين عليه، ولا تستغرب من الهتافات المؤيدة للمجلس العسكرى ممن يدعوا أنهم "إسلاميون" بينما لم تهتز لهم شعرة حينما اقتحم الجنود والضباط مسجد عمر مكرم بالأحذية مرددين الشتائم داخل بيت الله.
عدد مساوئ الثورة وقل إنها فجرت الاعتصامات الفئوية البغيضة التى خرمت عجلة الإنتاج وأوقفت المراكب السايرة، وتناسى تماما أن رصيف مجلس الشعب من كثرة ما شهده من اعتصامات فئوية كان كامل العدد طوال العام، وتناسى آلاف العاملين الذى أصبحوا عاطلين جراء سياسة الخصخصة الفاشلة، اغمض عينك وتذكر أيام الأمن والأمان فى عهد مبارك لكن لا تستغرق فى الإغماض كثيرا حتى لا تتذكر تذمرك من "الفردة" التى كان يفرضها أمناء الشرطة على الماشيين والراكبين، أو تتذكر رعبك المستمر من أن يوقفك ضابط أمن دولة ويرسلك إلى ما وراء الشمس دون محاكمة، وإن تذكرت، لا سمح الله، أن البلطجة كانت تمارس علانية قبل الثورة وبعدها من رجال الشرطة أنفسهم ومن الأشقياء المجرمين فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وتوضأ وصل ركعتين، أما إن تذكرت حادثة قطع الطريق فى شارع البطل أحمد عبد العزيز بالمهندسين وتكسير السيارات المارة والاعتداء على الماشين بالشارع التى وقعت قبل الثورة بأسابيع أمام أعين وبصر رجال الشرطة فاعلم أنك تحتاج إلى رقية شرعية على يد شيخ كبير مثل الشيخ عاصم عبد الماجد أو أبو إسحق الحوينى أو يوسف البدرى.
لا تكمل قراءة هذا المقال، واقنع نفسك بأن كاتب هذه السطور مخرب مثل المذيعة الضالة دينا عبد الرحمن أو الكاتبة المحرضة نجلاء بدير، انتهزها فرصة وادع عليهم وقت الإفطار، وقل لنفسك إن دعوة الصائم لا ترد، ردد فى خشوع "دول مش ثوار دول بلطجية.. دول مش ثوار دول بلطجية"، حتى تستحل لنفسك الفرجة عليهم وهم يضربون ويعذبون ويعتقلون، بينما أنت بين أبنائك وأصدقائك تتفرج على مباراة منتخب الشباب مع بنما، أو تتابع أحداث مسلسل "الكبير أوى" أو تمسك بوردة وتجبرها على أن تفصل فى حضور مبارك إلى المحاكمة من عدمه عن طريق تقطيع أوراقها على الطريقة الشهيرة "هيحضر.. مش هيحضر.. هيحضر.. مش هيحضر".
سامح كل المخطئين، وتغاض عن سيئات كل المذنبين، إلا بتوع التحرير، تذكر لهم كل سيئة وانس لهم كل حسنة، قل لنفسك قبل أن تقول لغيرك: "يا راجل دى ثورة؟؟ دى فوضى" ثم ردد ما تسمعه من اتهامات باعتبارها حقائق دامغة، وانس أنك أنت نفسك هللت للثورة ورجالها، واعتبرت نفسك ذات يوم من شباب الثورة، وأنك اشتريت استيكر "25 ى ن ا ى ر" ولصقته على سيارتك وبيتك ومكتبك.
هات من الآخر واستمع إلى أغنية "اخترناه اخترناه وإحنا معاه لما شاء الله" بدلا من أغنية يا بلادى يا بلادى، أو صوت الحرية بينادى، انضم إلى حكومة الثورة الليبرالية التى ما كانت تحلم بأن تجلس على كراسى الوزراء لولا ما سال من دماء الشهداء، أو انضم إلى مكتب الإرشاد الذى لم يكن يحلم بأن يزوره وزير الداخلية إلا معتقلا لولا صمود شباب مصر أياما طويلة تحت القصف والقذف، أو إلى مشايخنا العظام من رموز الجماعات الإسلامية الذين أخرجتهم الثورة من معتقلاتهم فأخرجوا الثوار من دينهم، أو انضم إلى فلول الوطنى وعملاء أمن الدولة الذين عادوا إلى الحياة مرة أخرى بعد أن أجروا نيولوك الثورة.
انضم إلى أى فريق من هؤلاء فمثلهم مثلك تماما شاهدوا المجلس العسكرى يفض اعتصام التحرير بالقوة وسكتوا، وعلموا أن أهالى الشهداء تم ضربهم وإصابتهم وشتمهم وبهدلتهم، ومازالوا ناعمين بمراكزهم وكراسيهم وسلطانهم الجديد، ولا تستكثر على نفسك حالة التطنيش واللامبالاة، فعلى الأقل أنت لم تستفد من الثورة حتى الآن، ولم تفعل مثل الذين تنعموا بخيرها وتنكروا لأهالى شهدائها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة