عبادة الله هى الغاية العظمى من خلق الإنسان «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ».. ولكل وقت عبادته وطاعته التى يسميها بعض الفقهاء «واجب الوقت» وهذا يختلف من وقت لآخر لا من شخص لآخر، فالعبادة فى أيام العيد هى الفرحة والسرور وصلة الرحم والتواصل الإنسانى مع الآخرين وبث الألفة فى المجتمع كله.. فمن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة أو انعزل عن الناس أو عبس وحزن واكتأب فى العيد فقد ضيع عبادته ووقته ولم يعرف واجب زمنه.
وواجب الوقت فى ليالى العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف فى المسجد وكثرة قيام الليل وذكر الله والدعاء وقراءة القرآن. وواجب الوقت أثناء الحج هى كثرة ذكر الله مع أداء المناسك، ولذلك لا يسن للحاج كثرة الصلاة.. ولا يسن له الصيام فى الحج، فمن حكمة الله البالغة أن منع الحاج من صوم يوم عرفة ليتفرغ لأداء مناسك الحج الشاقة، ولا يعوقه ذلك عن واجب وقته.
وواجب الوقت أثناء العدوان الخارجى على الأمة هو الاصطفاف مع الجيش للدفاع عن الأمة.. فمن انشغل وقته بعلم أو عبادة مسنونة فقد ضيع الواجب وقصر فى عبودية زمانه، وواجب الوقت عند حضور الضيف هو مؤانسته ومجالسته وإكرامه وعدم الانشغال عنه بنفل من النوافل أو سنة من السنن «فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
وواجب الوقت الآن على الحكومة المصرية هو إقامة الحرية والعدل فى الحكم والعدالة الاجتماعية وإعادة الأمن إلى قوته مع انضباطه بالقانون وإعادة دوران عجلة العمل وإنقاذ الاقتصاد المصرى من الانهيار.
وواجب الوقت على الإسلاميين أن يدركوا أنهم لا يحتكرون الوطنية وأن يقدموا التوافق الوطنى على الصراع والشقاق، وأن ينزلوا من عالم الشعار إلى عالم الواقع والبرامج، التى تخدم المواطن ولا تدغدغ مشاعره. وواجب الوقت على القوى الليبرالية أن تصل إلى فكرة ليبرالية مصرية خالصة تتوافق مع ثوابت الإسلام ولا تصطدم مع أعراف المجتمع المصرى.
وواجب الوقت على الصوفية أن يحاربوا البدع والخرافات، التى تسربت إلى الثوب الصوفى القائم أصلا على الزهد فى الدنيا وإيثار الآخرة، وأن ينفتحوا على الحركة الإسلامية.. فكلاهما محتاج للآخر.. وكما قال الغزالى رحمه الله: «فإن الصوفية تحتاج إلى بعض التسلف والسلفية تحتاج إلى بعض التصوف»، وواجب الوقت على الحركة الإسلامية أن تلتزم بالتعددية بكل صورها الفقهية والفكرية والسياسية والدينية كسنة كونية لا تتغير ولا تتبدل «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا».. وأن تقدم نفسها للناس بتواضع وسكينة وخفض للجناح بعيداً عن الاستعلاء والنشوة الكاذبة.
أما واجب الوقت على الشعب المصرى فهو أن يعود مرة أخرى إلى الإنتاج والعمل وألا يحول الحرية الواسعة، التى تمتع بها إلى تلك الفوضى، التى نراها فى الطرقات والأسواق والمرور والمبالغة فى غلاء الأسعار والإنصاف مع الخصوم وتغليب روح التسامح على مشاعر التشفى والانتقام، وأن يهتم بالبناء قبل الهدم.
أما واجب الوقت على الأزهر أن يظل محافظا على الوسطية الإسلامية وحاضنا لجميع القوى الإسلامية والوطنية المصرية ومحافظا على الهوية المصرية الحضارية الجامعة، التى تظل الجميع بعدل الإسلام ورحمته ورفقه.
وواجب الوقت على الأغنياء ورجال الأعمال أن يكتسبوا أموالهم من حلال وأن ينفقوها فى الحلال، الذى يعود على الأوطان بالتنمية والرخاء والعدل الاجتماعى، وأن يساهموا فى إغاثة الملهوف والمكروب واليتامى والأرامل والمعوقين عبر مؤسسات اجتماعية.. لا يقتصر نشاطها على حياتهم وبقائهم بل تمتد لتكون صدقة جارية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة