محمد الدسوقى رشدى

مستقبل مصر فى القفص

الخميس، 04 أغسطس 2011 08:47 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعز من يشاء ويذل من يشاء.. كانت العيون داخل القفص غائرة وحائرة، هزيلة من شدة الذهول، ومرتبكة من أول لقاء يجمعها مع المواطنين الذين لم تنظر لهم يوما برحمة وطالما ذاقوا مرارة الشرر الخارج منها.

الآن فقط يمكن أن نتفهم حكمة ضم العادلى ومبارك ونجليه فى قضية واحدة، وحكمة تأجيلها إلى 3 أغسطس الموافق اليوم الثالث من شهر رمضان، الآن فقط يمكن أن نفهم حكمة اختفاء الفوازير وألف ليلة وليلة، لأن أى ليلة من ليالى شهريار وشهرزاد مهما كان سحرها وغرابتها لا يمكن أن تكون أبدا بغرابة المشهد الذى تابعه المصريون على الهواء مباشرة من داخل قفص أكاديمية الشرطة، وأى ليلة من ليالى ألف ليلة وليلة مهما كان سحرها ومهما بلغ خيال شهرزاد لا يمكن أن يتخيل وجود هؤلاء الأباطرة وقد تحولوا إلى أشباح زائغة الأبصار داخل قفص واحد. اعترف ياصديقى أن شهريار لم يكن ليقتل أو حتى يفكر فى النداء على مسرور بسيفه لقتل شهرزاد أو غيرها لو كانت إحداهن قد نجحت فى أن تقص عليه حدوتة الديكتاتور الذى ظن أنه يملك الأرض ومن عليها، وفجأة وجد نفسه فى قفص للعرض الجماهيرى قبل أن يكون قفصا للاتهام.

اعترف يا صديقى أن بعضا من التعاطف قد مس قلبك وأنت تشاهد الرئيس المخلوع على سريره داخل القفص، واعترف أن قلبك قد أصابه اللين من مشهد هؤلاء العجزة وهم أذلاء داخل القفص، ولكن هل يعنى ذلك التعاطف الذى فاجأك بزيارته أن مبارك والعادلى وجمال وعلاء لا يستحقون تلك الصورة التى كانوا عليها بالأمس داخل القفص، وأن تخرج لتطالب لهم بعفو لا يستحقونه؟.. ضع تعاطفك على جنب يا صديقى فأنت فى النهاية بشر وفكر كثيرا فى مظالم هؤلاء، وما ارتكبوه فى حق هذا الوطن، أنا لا أحدثك فقط عن ضحايا 25 يناير بل أحدثك عن آلاف الأرواح التى اختطفها الفيروس سى، وعذبها السرطان بعد أن خرب بيوتها وجلس عليها، وقتلها وجع الانتظار فى طوابير المستشفيات، أو تلك الأرواح التى قضت على نفسها يأسا من قلة الحيلة والإيد القصيرة التى قطعها وقصرها نظام مبارك بسبب ممارساته وظلمه، أنا أحدثك ياسيدى عن مستقبل البلد الذى حاول كل من داخل هذا القفص أن يلوى عنقه ويرسمه من أجل أسرة واحد فقط على حساب ملايين الأسر، أنا أحدثك عن رجل ظن أننا عبيده، وظن فى لحظة أنه يملك حق أن يورثنا لنجله، عن رجل كان آخر ما قاله لنا تحت قبة المجلس ونحن نطالب بقليل من الحرية والعدالة والكرامة.. خليهم يتسلوا، وها هى نبوءته قد صدقت وها نحن نتسلى بمشاهدة ما يحدث داخل القفص.

احم قلبك من الضعف الإنسانى يا صديقى، لأن القفص بمن داخله لا يستحقون أى تعاطف، لأن أحدا منهم لم يتعاطف معنا وهو يبنى لمصر قفصا أكبر، واحم عقلك من الجنون والتعب من مهاترات المحامين خاصة أولئك المدعين بالحق المدنى، الذين تشغلهم رغبة الظهور وتسوقهم شهوة الكلام عن أهمية الحدث وجلاله وضرورة نظامه.

الله وحده يا صديقى أراد لهذه الحدوتة أن تنتهى بمشهد القفص، بعد أن عجز جميع المؤلفين والمحللين والمخرجين عن توقعه بهذه الصورة، الله وحده أراد لهذه الحدوتة أن تنتهى بمشهد فيه كل العظات والعبر التى تكفى أى مسؤول أو أى شخص يرغب فى الجلوس على عرش مصر، الله وحده أراد بهذا القفص أن يضمن مستقبل هذا الوطن ويحفظه بعد أن اكتشف قلة حيلة أبنائه فى فعل ذلك، أراد بهذا المشهد أن يكون سيفا فوق رقبة كل مسؤول، وكابوسا جاهزا لزيارة كل من تسول له نفسه التفكير فى أن السلطة قد تمنحه الحق فى البقاء والظلم وخيانة عدل الله فى أرضه، الله وحده أراد بمشهد القفص أن يختار لنا رئيسا قادما يعلم مصيره مسبقا إن تخيل أنه باق مادام فى قلبه نبض.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة