أحد الأسئلة المركزية فيما يتعلق بالنظم السياسية هو السؤال حول الشرعية، أى من أين يستمد النظام السياسى شرعيته؟ والشرعية تعنى قبول المواطنين ورضاهم بالطاعة لقواعد النظام السياسى الذى يحتكر وحده الحق فى استخدام القوة الإلزامية أو الإكراهية.
وفيما يتصل بشرعية النظم السياسية المصرية إبان فترة الاستعمار فإن النظام الليبرالى فى الفترة ما قبل يوليو كان يستمد أحد مصادر شرعيته من هندسة نظام سياسى أقره المحتل البريطانى فى تلك الفترة، وكان أحد الأضلع الرئيسية فى صناعة العملية السياسية مع الملك وحزب الوفد باعتباره كان حزب الجماهير والمعبر عنها.
وبعد حركة يوليو 1952 فإن شرعية النظام السياسى الناصرى كانت مستمدة من كاريزما عبدالناصر، وأسست لما عرف بشرعية ثورة يوليو، أى أن الانقلاب الذى صنعه الجيش كان هو صانع الشرعية الجديدة.
واستمرت شرعية النظام السياسى المصرى معبرة عن روح عسكرية ذات طابع يرفض التعددية وحكم الشعب الحقيقى، وحين جاء السادات فإن شرعية نظامه استندت إلى ثورة يوليو من ناحية وإلى نصر أكتوبر من ناحية أخرى.
واستمر مبارك يتحدث عن شرعية ثورة يوليو، وبينما كان عبدالناصر هو من صنع شرعية ثورة يوليو «شرعية الكاريزما» أى الملهم الذى يقود الجماهير حيت تتوحد مع إرادته، وكان السادات هو من تحدث عن شرعية دولة العلم والإيمان ونصر أكتوبر، فإن مبارك بدا كأنه بلا سند حقيقى يمكن أن يستند إليه نظامه لجلب قناعة المواطنين بالنظام وطاعتهم له.
ولو أخذنا شرعية الإنجاز فإن نظام مبارك قد أخفق إخفاقا حقيقيا فى تحقيق أى قدر من آمال الناس على أى مستوى من المستويات على مستويات الحريات، أو مستويات تحقيق حد أدنى من الحياة الكريمة، أو مستوى تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية التى تضيق الهوة بين الأغنياء والفقراء. مع طول فترة حكم مبارك لخمس فترات رئاسية هوت معه شرعية البلاد لتصبح مجرد عزبة يتصرف فيها وعائلته كما لو كانت ملكا خاصا بهم، وهنا فإن شرعية نظام الحكم قد تهاوت فهو لم يعد نظاما جمهوريا، ولكنه أصبح نظاما ملوكرئاسى، أى يجمع بين الملكية والرئاسة، بيد أن روح الجمهورية قد بدت كأنها تلفظ أنفاسها على الأقل منذ نهاية عام 2004.
ثورة 25 يناير تؤسس لشرعية نظام جديد مختلف عن تلك النظم التى عرفناها منذ عام 1952، وتجيب عن سؤال الشرعية الذى كان مطروحا بقوة فى عصر مبارك لتقول إن شرعية نظام مصر السياسى الجديد بعد ثورة يناير المجيدة هو نظام الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه، فالجماهير التى صنعت الثورة هى من صنعت شرعية النظام الجديد، وبقدر ما أسقطت الجماهير مبارك فإنها ظلت تكافح فى مليونيات لم تتوقف من أجل محاكمته، ومع رؤية الشعب لمبارك وابنيه ووزير داخليته ومعاونيه وقد وقفوا أمام القضاء كمتهمين فإننا نكون فى سبيلنا للتأسيس لشرعية جديدة للنظام السياسى محورها أنه لا أحد فوق القانون، وأنه لم يعد هناك فرعون ولا كسرى ولا قيصر ولا طوارئ ولا مباحث أمن الدولة، ولا ميزانيات لا تعرف أجهزة الرقابة عنها شيئا ولا صناديق خاصة أو محصنة من المتابعة والمساءلة، مصر تسير نحو «أنسنة نظامها السياسى» وذلك سوف يحل سؤال الشرعية فنحن لم يعد لدينا سؤال للشرعية وإنما نحن نصنع الإجابة عنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة