على مدى شهور عديدة ظلت الحراسة الحديدية مضروبة على مبارك وأسرته،لا معلومات .. لا تصريحات ..لا صور، إلى أن جاء طوفان الصور والمشاهد للعائلة مع العادلى وكبار ضباط الداخلية داخل القفص، لتلقى بكثير من الأسئلة عن هؤلاء الذين تحكموا فى البلد تحكم الأباطرة وعما إذا كانوا فعلا لا يستحقون إلا صورهم داخل قفص الاتهام، لتكون الباقية لهم والدالة عليهم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
فى الفترة التى كان يحق لعائلة مبارك الكلام والظهور والحركة، قبل تحريك الاتهامات ضدهم ، وضعوا سياجا ثقيلا من الأسلاك الشائكة العازلة بينهم وبين الناس ، فلا هم اعترفوا بالثورة حتى يستطيعوا البدء من جديد ، ولا فهموا الأسباب الحقيقية لاندلاعها ولا استطاعو التصرف بمنطق سياسى خلال هذه اللحظات الحرجة فى تاريخ مصر وفى تاريخهم وأعتقد أنهم كانوا بالفعل قادرين على عقد مصالحة تاريخية مع الشعب المصرى لو تخلوا عن العنجهية أو الإنكار للثورة وتداعياتها التى تدافعت يوما بعد يوم، وبدلا من استيعاب هذه التداعيات تركوها تبتلعهم مثل مياه فيضان نهر هادر.
حتى عندما قرر مبارك التحدث إلى الناس فى خطابه الصوتى الشهير عبر قناة العربية، وكأنه مأمور بالتحدث بشكل محدد لهدف ما ، ارتكب جملة من الأخطاء الكارثية دفعة واحدة، أولها، أنه تحدث إلى الشعب المصرى من خلال فضائية أجنبية، و ثانيها أنه اعتمد نفس الصوت المصنوع واللغة الإنشائية فى خطاباته الرسمية ، وثالثها كذبه على الناس بأنه لا يملك أى أموال فى الخارج وهو ما كذبته الأحداث المتسارعة، ورابعها استخدامه لغة التهديد باللجوء للقضاء الأمر الذى مثل استفزازا للمواطنين ، وأدى إلى استدعائه أمام النيابة للتحقيق فى عدد من الوقائع المنسوبة إليه ، والوقائع بعد ذلك معروفة.
كان مبارك خلال هذه الفترة قادرا على التوجه بخطاب أساسه الصدق والبساطة والاعتراف بالأخطاء للناس، لكنه لم يفعل ، كان يستطيع طلب العفو منهم والسماح له ولأسرته بأن يقضوا ايامهم على أرض مصر بحرية ، كان يستطيع أن يقدم كشفا حقيقيا بممتلكاته فى الخارج والداخل هو وأسرته وأن يتنازل عنه راضيا لخزانة الدولة ، كان يستطيع أن يستعيد ذاكرة القيادة كأى رب أسرة مصرية ، قادر على اتخاذ قرار بتأديب ابنه المخطئ أو المتجاوز فى حق أبيه وتاريخه وفى حق البلد كلها ، لكنه لم يفعل وخلافا لذلك خرج علينا بخطابه المتصنع المستفز، بينما يواصل بكائياته للحكام العرب ليتوسطوا له حتى لا يحاكم أمام القضاء المصرى.
حتى فى الفترة التى تلت تحريك الاتهام ضده ، كان مبارك تحديدا يستطيع بقليل من البصيرة أو حتى بسنوات الخبرة والمناورة الطويلة أن يقدم تفسيرا للشعب عن الجرائم التى ارتكبها نظامه قبل الثورة وخلالها ، كان يستطيع الظهور والحديث للناس ، كان يستطيع أن يواجه مصيره بشجاعة الجندى بدلا من الهروب والاحتماء بالمرض فى أروقة المستشفيات، لكنه لم يفعل أيا من ذلك ، وانتظر كما فعل طوال سنوات حكمه أن تتحرك الأحداث من تلقاء نفسها ، معتمدا على قانون الطفو فوق الأحداث والوقائع وعلى غريزة امتصاص الصدمات حتى لو كانت تسحب من رصيده على المكشوف ، لكن الأحداث جرت هذه المرة عليه ، وسحبته لما يستحق وما لا يحب.
سيتوارى مبارك بعد قليل وسيختفى ابناه وسائر أفراد عائلته ، ولن يبقى سوى هذا المشهد الأخير المهين فى حكايته المأساوية التى تختلط فيها سطور العطاء العسكرى المشرف بجرائم القتل والفساد واستغلال النفوذ، ليكون لمن خلفه آية .. اللهم لا تدخلنا التجربة.. اللهم نسألك حسن الخاتمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة