لأول مرة منذ 25 يناير أشعر بأن الدعوة لمليونية جديدة فيها من التهريج ما هو أكثر من فكرة التعبير عن الرأى أو خلق سلاح ضغط جديد على المجلس العسكرى وحكومة شرف من أجل تحقيق مصلحة ما، يبدو الأمر كذلك تهريجيا وكوميديا وتائها ومقللا لشأن ميدان التحرير والمليونيات، حينما تتأمل تطور الدعوة الصوفية التى تضامنت معها الأحزاب والحركات السياسية الليبرالية إلى مليونية جديدة ترفع شعار «فى حب مصر» الجمعة المقبل.
فى كل مرة الدعوة إلى تظاهرة مليونية جديدة كانت تولد من رحم كارثة ما، أو بطء المجلس العسكرى فى تحقيق مطالب الثورة أو حمايتها من المتطفلين والباحثين عن الخراب، ولكن هذه الدعوة تبدو «لقيطة» لا أصل ولا دافع لها فى هذا التوقيت الذى شهد ظهور مبارك داخل القفص، وبدء حملة تطهير حقيقية داخل أجهزة الحكومة الرسمية، الدعوة نفسها لم تجد شعارا عمليا، فلجأت إلى مداعبة المشاعر ورفعت شعار «فى حب مصر» فى محاولة يائسة للتغطية على السبب الحقيقى الذى يكشف أن الدعوة لتلك المليونية تدخل تحت بند الصراع بين التيارات وليس بند «من أجل مصر».
واضح جدا أن هذه الدعوة الخليط بين الصوفية والتيارات الليبرالية لا هدف لها سوى الرد على مليونية التيار الإسلامى فى الجمعة قبل الماضى، واضح جدا أنه لا هدف لها سوى أن تخفف من حدة توترها من قدرة التيار الإسلامى على الحشد، والواضح أكثر من تلك الدعوة هو ارتباك الأحزاب والقوى الليبرالية واليسارية فى مصر التى تتغنى كل يوم بشعارات الدولة المدنية وعدم خلط الدين بالسياسة وتتهم الإخوان والجماعات الإسلامية باستغلال الدين لتحقيق مصالح سياسية، ورغم ذلك لم تخجل من «جرجرة» التيار الصوفى أحد التيارات الدينية إلى أرض السياسة، أو حتى الموافقة على مشاركته فى عمل سياسى للتغطية على ضعفهم وعدم قدرتهم على الحشد. مشاركة التيارات الليبرالية فى مليونية الصوفيين الجمعة المقبل هى العار بعينه، وهو الخطر بعينه لأن القوى التى كانت ترفع شعار لا لاستغلال الدين فى السياسة تم ضبطها متلبسة بجرجرة الدين إلى ميدان التحرير من أجل الرد على السلفيين، وحجة أن التيار الصوفى لا علاقة له بالسياسة ولم يلعب فى أرضها من قبل، حجة سخيفة، لأن الحشد فى تلك الجمعة سيتم باسم الدين وبأوامر مشايخ الطرق الصوفية، وحتى إن صدقنا ذلك التفسير وفرقنا بين التيار الصوفى المعتدل الزاهد الذى لا يلعب فى أرض السياسة والجماعات الإسلامية الأخرى التى تسعى للسلطة، تبقى الكارثة أو الفضيحة الكبرى فى أن سادة الأحزاب الليبرالية واليسارية الذين أعلنوا مشاركتهم فى الجمعة المقبل يمهدون الطريق للتيار الصوفى نحو لعبة السياسة ويشركون بأيديهم وبدعمهم تيارا دينيا جديدا فى السياسة، وفى هذا الأمر جريمة أرجو أن ندرك أبعادها قبل فوات الأوان.. قبل أن نجد المسرح السياسى المصرى محجوزا بالكامل للإخوان والجماعات الإسلامية والطرق الصوفية، وتتحول الدولة المدنية إلى حلم بعيد المنال، بسبب السادة الليبراليين الذى استسهلوا مواجهة الإسلاميين بنفس سلاحهم ولجأوا إلى الصوفيين ليحاربوا معركة الحشد واستعراض القوى بالوكالة عنهم، بدلا من أن يتعبوا أنفسهم وينزلوا إلى الشوارع التى لا تخلو من لافتات ومشروعات وأنشطة الإخوان والتيار السلفى، بينما تصبح معجزة لو عثرت على لافتة أو مشروع خدمى أو خيرى واحد لحزب سياسى ليبرالى أو يسارى أو متلون أو حتى مالوش فيها!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة