أحداث كثيرة جرت يوم الجمعة أعادتنا إلى المربع الأول من جديد، لكن هل هناك جديد؟
الجديد هى الأماكن والأسماء أما ما جرى فهو نفسه ما كان يجرى منذ شهور، ولو استرجعنا أحداث البالون والتحرير فالعباسية، نكتشف كأننا ندور فى حلقة مفرغة، لقد مرت مليونية الجمعة كما رسم لها الداعون إليها، ونجحت فى توصيل رسالتها ومطالبها.
وصلت الرسالة إلى المجلس العسكرى والحكومة، استعادة لرسائل الثورة.. الحرية والعدالة والمساواة واستقلال القضاء ورفض المحاكمات العسكرية، وهى مطالب مشروعة يفترض أن يرد عليها من يحكمون.
والسؤال: ما الذى نقل الأمور من السلم إلى الحرب؟ هجمات على وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة، وحتى هدم السور العازل أمام السفارة الإسرائيلية كان مفهوما، لكن الأمور دخلت فى حرق وضرب وإطلاق حجارة والرد بالقنابل المسيلة للدموع وقتلى وجرحى ومعتقلين. لقد كانت هناك إشارات نحو عنف متوقع، لكن مصادر هذه الإشارات غير معلومة، ولا معروف نواياها واتجاهاتها، لكنها كانت إشارات تدفع نحو إفساد المليونية والتشويش عليها، تبرأ منها ميدان التحرير، لكنها تحققت فى نهاية اليوم. ولا يكفى أن يتهم التحرير المجلس العسكرى بأنه وراءها لأنها اتهامات لا تسندها أدلة ولا منطق، وهى أيضا ليست من التحرير، لكنها تعبر عن نوايا بالفعل لإفساد علاقات الجميع ببعضهم. تلك الشكوك التى اتسعت بين التيارات وبعضها وبين الأفراد وغيرهم، كما أنها صرفت الاهتمام عن المستقبل الذى هو أهم وأبقى.
ما حدث من هجوم على الداخلية ومديرية أمن الجيزة تخريب لا يختلف كثيرا عن قطع الطرقات والبلطجة، يجب أن يدان كما تدان المحاكمات العسكرية للمدنيين، ولا يجوز الدفاع عن البلبطجة بأى مبرر، لأن الرابح فى هذه المعارك خسران.
كأن هناك من يحاول منع استمرار السير إلى الأمام، وإعادتنا إلى المربع الأول، والمشكلة الأهم أن أحدا لا يريد الاعتراف بالخطأ فى الحسابات، وكأننا جميعا خبراء فى الثورات وبناء الدول من جديد، ومثلما كان الألتراس طرفا فى كل الخطوات فقد أصبحت طريقة تفكير الألتراس تسود «انصر فريقك ظالما أو مظلوما»، كأننا لسنا بصدد الحديث عن المستقبل، وإنما فى سياق الفرجة والتشجيع، بل ونزول الملعب إذا لزم الأمر.. فلا المجلس العسكرى مستعد للتصرف بشفافية حتى يفهم الناس ما يجرى ويمكنهم الحكم عليه، ولا النشطاء قادرون على تقديم رؤية متماسكة، وإدانة ما يستحق الإدانة، وتشجيع ما يستحق التشجيع، بل نرى بينهم من يتمايل بين الثورة والمجلس العسكرى فى وصلات «شو»، بينما الحديث الجاد غائب.. أصبحنا نسخر من بعضنا ومن أنفسنا ونخاف من قول الحقيقة.. والنتيجة العودة إلى نقطة البداية من جديد.