الكلام عن البلد الذى ضاع هو الأكثر رواجا فى الشارع الآن، مع كثير من القلق، وبعض من الخوف على المستقبل الذى تعجل الناس بياضه وجماله وثماره عقب «25 يناير»، وأسهمت القوى السياسية القديمة والناشئة فى تغذية هذا التعجل، حينما لم تجد بابا للتواصل مع الناس سوى مداعبة مشاعرهم بالجنة التى ستظهر على أرض مصر ببركات الثورة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء شرح الأعراض الجانبية التى تصيب البلاد فى مثل هذه الأحداث الكبرى.
ما حدث بالأمس أمام السفارة الإسرائيلية وفى شوارع الجيزة مخيف، ولكنه لا يعنى أبدا أن البلد قد ضاع، ما حدث بالأمس يحتاج إلى طريقة مختلفة لنفهمه.. إلى منطقة وسطى يمكننا أن نفهم من خلالها أحداث السفارة الإسرائيلية وليالى العنف والبلطجة، منطقة خالية من الأغراض الشخصية وتفرض على الكائنين بها الاعتراف بأخطائهم قبل الحديث عن محاسنهم، منطقة تفهم فيها التالى وربما ما هو أكثر منه..
> «25 يناير» لم تكن مجرد ثورة، بل كانت مشرط طبيب شاب قليل الخبرة فتح جرحا خبيثا، فقد السيطرة عليه، ولم يجد العون ممن هو أكبر وأكثر خبرة، فقرر الجرح أن يداوى نفسه بإخراج أسوأ ما فيه.. وبمعنى آخر يمكنك أن تقول إن «25 يناير» كانت بمثابة «حبة فوار» ابتعلتها مصر المنفوخة البطن من شدة الفساد والظلم فأصابها قىء متواصل صحى لأنه يخرج «أوسخ» ما فى بطنها، ولكنه مثير للقرف والتعب فى نفس الوقت، ويحتاج إلى من يسيطر عليه.
> الأحزاب والائتلافات والحركات السياسية القديمة والناشئة بعد الثورة فشلت فى تكوين تنظيمات قوية وملتزمة خلال الشهور الماضية، وأحداث السفارة الإسرائيلية ووزارة الداخلية أكدت ضعفها وعدم قدرتها على التأثير فى الجماهير وتحريكها.
> للأسف وللمفارقة وللخيبة القوية.. بخلاف التيار الإسلامى، «الألتراس» هم القوى الوحيدة المنظمة فى الشارع، والقادرة على الحشد والتعبئة وتحريك الجماهير.. بمعنى واضح يوجد فى مصر قوتان فقط تملكان قدرة السيطرة على الشارع والانتشار فيه.. الألتراس والجماعات الإسلامية.
> المجلس العسكرى وحكومة الدكتور شرف هما المسؤولان بشكل كامل عن أحداث الأمس وأى أحداث أخرى، بصفتهما جهتى إدارة البلاد حاليا، ومسؤوليتهما تتنوع ما بين عدم استيعاب مطالب الثورة حتى الآن، والبطء فى تنفيذها، والتراخى فى تطبيق القانون، والتفريط فى هيبة الدولة منذ اللحظة التى صمتا فيها على قطع خط السكة الحديد فى اعتصام أهالى قنا لرفض تعيين المحافظ.
> النخبة المصرية السياسية ووسائل الإعلام يعانون من حالة ترهل حاد ويحترفون الرقص على الحبال، ويخشون المواجهة، ولم يقوموا بدورهم فى نقد المخطئين من شباب الائتلافات، أو الحكومة، أو المجلس العسكرى.. فقط انقسموا إلى فريقين أولهما ينافق شباب الثورة، خوفا من البطحة التى تعلو رأسه، والثانى ينافق المجلس العسكرى، طمعا فى مصلحة ما.
> دعوات التظاهر وتحركات المظاهرات عشوائية، ولا أهداف لها، وتحركها الهتافات الحماسية اللحظية داخل المظاهرة، بدليل أنه لا يوجد أى سبب يبرر لعموم الناس الهجوم على وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة، وعلى شباب الائتلافات إدراك أن فجوة الخصومة بينهم وبين الناس فى الشارع تتسع، وهذا يعنى أنهم معرضون وبشدة لخسارة الجولات الانتخابية القادمة لصالح بقايا الوطنى، والمنتفعين، والجماعات، بما يعنى أنهم يهدمون الثورة بأيديهم لا بأيدى الكارهين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة