فى غياب العقل.. كل التوقعات محتملة، كل الحماقات منتظرة، كل المصادفات ممكنة، كل الخسائر واردة، كل ضربات الحظ متاحة، كل الحرائق الكبيرة تبدأ من شرارة صغيرة عابرة، كل المؤامرات تباع بتفاصيلها الدقيقة على الأرصفة لمن يرغب مجانا أو بأقل الأسعار، كل النهايات المفجعة تأتى بسرعة من بدايات تبدو مألوفة لها ابتسامة صفراء لا تعرف هل تضحك لك أم عليك.
فى غياب العقل.. كل جنون يجد من يتحمس له ويدافع عنه بعنف وقسوة وغرور، كل لامنطق عنده مريدون ودراويش يطلقون له البخور ويضعون له التعاويذ ويرقصون تحت قدميه فى بلاهة تكشف عن عجز وبلادة، ينصفونه دون أن يفهموه.
فى غياب العقل.. يحمل السفهاء على الأعناق، يتصدر التافهون المشهد، تتحول الفتنة إلى سلوك وعادة تتم ممارستها فى لذة ونشوة، ينتعش العامة من صور الدم وفكرة الانتقام، يفضلون الموت من الجوع ألف مرة على الاستماع إلى نصيحة بالعمل أو التفكير أو الهدوء.
فى غياب العقل.. البلطجة تسود، الخرافة تطغى، التفاهة يصبح لها ثمن، يتحول البلطجية إلى مطربى المرحلة رغم صوتهم النشاز، يرتدى الدجالون رداء علماء الدين ويقدمون الفتاوى فى وقاحة، يقبل العامة على كل ما هو ردىء ويدفعون فيه دم قلبهم، تتحول الشائعات إلى حقائق تسيطر على المستقبل فى قلق، يسكت العقلاء خوفا من اتهامهم بالغباء، يتم تعديل جدول الضرب الذى حفظناه فى طفولتنا فيصبح حاصل ضرب «اتنين فى اتنين يساوى واحد أو خمسة».
فى غياب العقل.. يتخيل كل شخص أنه حكيم زمانه الذى يفهم فى كل شىء، أنه هو الوحيد الذكى الذى يملك الحل، وبالتالى يملك القرار، يتخيل أيضا أنه لم يأخذ حظه كما ينبغى، فيسعى إلى تدمير كل ما هو ناجح وحرق كل ماهو نادر حتى ينفرد بحقوقه الضائعة، يتحول السفهاء إلى حكماء، والضعفاء إلى حكام، يجلس على منصة القضاة ويختل ميزان العدل، يناضل ليثير جدلا بأفكاره السطحية وتستضيفه صفحات الصحف الأولى وبرامج التوك شو فى انتصار إعلامى لا ينسى.
فى غياب العقل.. الإثارة هى السلعة الأكثر مكسبا، الكذب يضع على كل أمنية ملوحته، فتصبح غير قابلة للنضج، تتنافس الصحف لمخاطبة غرائز القراء كما يحدث فى الأفراح الشعبية حين تتساقط «النقطة» على جسد راقصة عجوز، تطرد العملة الرخيصة العملة الثمينة من الأسواق، تتحول الكلمة البذيئة الجارحة إلى قصيدة وديوان وقصة وكتاب ورسالة دكتوراه، ينتقى الفن أسخف وأردأ ما يملك ويبيعه لنا على أنه إبداع يستحق أبلغ شهادات وعبارات التكريم.
فى غياب العقل.. يصبح هدم كل ما هو جميل متعة، يفعلها شخص مغيب عن الحياة ويفتخر أنه هو الذى هدم وشوه وأفسد وحرق ودمر، نتكلم عن بناء الحياة مثلما نتكلم عن الأساطير والحواديت الخيالية التى لا تتحقق، تصبح الرصاصة للقتل أسهل بكثير من الحوار للتفاوض أو المعرفة أو الفهم أو التعاون أو التعايش.
فى غياب العقل.. تتحول السكينة إلى بطاقة شخصية للتعارف، قرص مخدر يتحكم فى مصير بلد، أحلام ممسوحة تجعل نشوة الانتقام والتدمير تصل إلى الذروة.
فى غياب العقل.. نستمع إلى أسئلة من عينة: يعنى إيه عقل؟ يعنى إيه تفكير؟ يعنى إيه بكرة؟ يعنى إيه بلد؟ يعنى إيه جوع؟ يعنى إيه حرب؟ يعنى إيه وطن؟ يعنى إيه خير؟ يعنى إيه أنا؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
بدون العقل
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي المنسي
دقة في الوصف تدمي القلوب
عدد الردود 0
بواسطة:
الأرفاااااااااان
العدالة أولا
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى وبس
استاذ يسرى
عدد الردود 0
بواسطة:
د . عصام حموده
يسرى الفخرانى : اهنئك
مقال رائع وبسيط لكنه حكيم .
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
والله مقالك رائع وكلامك جميل والعنوان شدنى للقرأه بس ياخساره فى غياب العقل لا احد يفهم
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام الشربينى
راااااااااائع
عدد الردود 0
بواسطة:
mayadaaaaaaaaaa
فعلا غابت العقول
الله عليك ياا/يسرى عندك حق فعلا غابت عقولنا
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
استاذ يسري انت قمة الروعة