ما الذى يجرى ولماذا ومن يقف وراءه؟، أسئلة تتكرر مع تكرار كل تصادم يعيدنا إلى المربع الأول ، والمشى فى المكان. هناك فريق يحتكر الحقيقة فى مواجهة فريق آخر يحتكر اتخاذ القرار. وبينهما شعب كامل يكاد يكون مستبعدا من المعادلة.
ولا مانع من الاعتراف بأن المجتمع مايزال يعانى من أعراض التسلط لنظام حكم 30 عاما كان ينوب عن الناس فى كل شىء، ويمنح نفسه الحق فى التخطيط والتنفيذ وتحديد الصواب والخطأ. وماتزال تأثيراته فى الأجهزة والأفراد. والتسلط مايزال يسكن النفوس.
ولم تكن أحداث الجمعة هى أول حدث يشهد تصادما، وربما لن يكون الأخير، ولا يمكن الرهان على أن يكون قانون الطوارئ وحده الحل، بل ربما نحتاج إلى أن نستمع لبعضنا. على المجلس العسكرى الحاكم أن يقول للناس ماذا يحدث وماذا ينوى أن يفعل، حتى لا يترك الباب للشائعات، وسوء الفهم. ونفس الأمر ينطبق على الحكومة التى يجب أن تغادر حالة التعتيم التى تحيط عملها، وأن ينتهى العهد الذى يجلس فيه الحاكم بغرفة مظلمة ليقرر مصائر الناس.
وعلى السياسيين ونجوم المرحلة أن يتوقفوا عن الاستعراض وينتقلوا إلى الحوار. على كل فريق أن يستمع للآخر، وأن يكون قادرا على تفهم وجهة نظر خصومه قبل حلفائه. حتى يمكننا عبور تلك المرحلة الصعبة والدوران حول الذات، لندخل فى مرحلة أخرى.
وعلينا أن نعترف بأن هناك وجهات نظر مختلفة، حول الحاضر والمستقبل، هناك من يرى ضرورة إلغاء المحاكمات العسكرية، ومن يدافع عنها ويراها ضرورة. وتراجعت الأصوات المنادية بتأجيل الانتخابات، واكتشف كثيرون أهمية أن يكون لدينا مجلس للشعب نسائله ونحاسبه، وأن تكون هناك حكومة حقيقية وليست انتقالية، حتى تكون مسؤولة أمام البرلمان والرأى العام. ولا ننسى أن الانتخابات نفسها فى حاجة إلى استعدادات أمنية وسياسية، فضلا عن الجدل الذى يحيط بقانون الانتخابات وتوزيع الدوائر الانتخابية، والقائمة والفردى وهو نظام جديد نسبيا على الناخب والمرشح، وأيضا الفصل بين انتخابات الشعب والشورى، لأن عقدهما معا يمكن أن يؤدى إلى فوضى.
كل هذه إجراءات نحتاج إلى التحاور حولها بدلا من الانشغال بتفاصيل تؤخر الانتقال من «الانتقالى» إلى الطبيعى، وحتى لو وقعت أخطاء، يمكننا تصحيحها بالممارسة؛ لأن الكلام النظرى وحده لا يكشف عيوب النظم السياسية، بل الممارسة هى التى تفعل ذلك، ولا مانع من أن يبدأ النظام الحالى مع المجتمع المدنى فى فتح الباب لمشروعات شعبية للتدريب السياسى، بدلا من الاكتفاء باتهامات للخارج بفعل ذلك، لأن قطاعا واسعا من الشباب، وهم الأغلبية غير الظاهرة فى الإعلام، لديهم الكثير من الوعى ليعرفوا ويمارسوا ويتعلموا الحقوق والواجبات، وهم يمتلكون رغبة هائلة فى التغيير، ويمكنهم حمل عبء المستقبل لو أخذوا الفرصة، لكنهم للأسف مستبعدون من المجلس العسكرى والحكومة وخطابها، وأيضا من السياسيين الجدد. نحن نريد إزالة آثار التسلط ونكتفى بهذا الوقت الضائع.