حينما يصبح الحديث عن الكرامة مثل الحديث عن قطعة «أنتيكة» يصير من مات فى سبيلها طائشًا وأهوج، ولا مانع من أن يكون بلطجيّا أيضًا، وليس معنى أن نقول إن اقتحام السفارة الإسرائيلية خطوة خاطئة أن ننصب المشانق لمن ارتكب هذا الخطأ، فللأسف تحرك الشارع الثائر النابض قبل أن يتحرك أىٌّ من السادة المسؤولين، وللأسف أيضًا ارتبكت إسرائيل وبادرت بإعلان أسفها على مقتل جنودنا على الحدود حينما سكتت الكراسى المعلبة، فعادت إسرائيل مرة أخرى إلى عندها.
تبارى الكثيرون فى الحديث عن ليلة السبت التى أعقبت جمعة تصحيح المسار، وللأسف معظم من تكلم عنها أكد أن هناك «مؤامرة» أو أن «أيادى خارجية» تعبث بأمورنا، أو قلة مندسة شوهت شباب الثورة وفعلت ما فعلت، أو فلول النظام السابق الذين يكيدون للثورة كيدًا هم من اقتحموا السفارة وهاجموا مديرية الأمن، ووصل الأمر برجل مثل يحيى الجمل أن يقول إن إسرائيل هى التى تقف وراء هذه الأحداث لإحراج مصر!
كثرة هذه المعلومات المذهلة والتحليلات الصاخبة تدل على أن «الكلام معليهوش جمرك» فعلاً، كما تدل على أن نفرًا من الذين نعدهم «نخبتنا» يطرطشون بالكلام دون أدنى مسؤولية، ودون أى دليل على ما يقولونه، وكأننا صرنا محترفى نميمة وجلسات مصاطب والرغى عمال على بطال وتوزيع الاتهامات دون دليل.
كل ما أتمناه ممن يدعى وجود مؤامرة أو أيادٍ خارجية أن يأتى بدليل حقيقى على ما يقوله، ووقتها سأضرب له «تعظيم سلام» لكن أن يقول لنا أحد إن إسرائيل هى التى أشعلت المظاهرات ضدها وتسببت فى اقتحام سفارتها، فهذا ما لا يقبله عقل، ولست أعرف كيف نجزم بتخوين آلاف الشباب ونتهمهم بالعمالة والاسترزاق، كما قال بعض شيوخ وقيادات الجماعات الإسلامية، لأنهم صعدوا من احتجاجاتهم على السفارة الإسرائيلية، وإن كانت هذه الأفعال التى أؤكد أنها «غير راشدة» ضد عدونا الأول «إسرائيل» فلمن تكون العمالة إذن؟
لست أدافع عن أحد لكن يبدو أننا نسينا أنه منذ اندلاع الثورة لم يلتفت أحد إلى إسرائيل ولا سفارتها، ونسينا أيضًا أن سبب التوجه نحو السفارة كان بعد مقتل جنودنا على الحدود، فبالله عليكم كيف يكون عميلاً مرتزقًا من يدافع عن دم إخوته ضد من استباحوه؟ وكيف يجرؤ السادة الكبار على أن يلصقوا بهؤلاء الشباب كافة أنواع التهم دون أدنى دليل؟ وبعد أن وجهنا آلاف الاتهامات إلى الشباب الذين شاركوا فى ليلة السبت الكئيبة، أظن أن من أبسط حقوقهم، وحقوق الرأى العام أن نعرف من أطلق الرصاص الحى على أدمغتهم وصدورهم، فالشرطة تنكر أنها أطلقت الرصاص والجيش كذلك، ولم يكن هناك أحد مسلح إلا حراس السفارة، وكما قالت العديد من الجرائد الأجنبية فقد تلقوا أوامر من تل أبيب بإطلاق الرصاص على من يقترب من محيط السفارة، وأنا أعرف أن المظاهرة التى تبدأ سلمية تغير مسارها بعد أن يرى المتظاهرون دماء رفقائهم، ومن وجهة نظرى فإن المجرم الحقيقى هو من أراق الدماء أولاً، وكل ما أخشاه أن يصبح من ادعوا أنهم مجرمون ضحايا، ووقتها سيصبح دمهم فى رقبتنا جميعًا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة