«مصر اختارت طعم الجمبرى»، إعلان البطاطس الشهير الذى تحول إلى نكتة بعد ثورة تونس. ولم تمر أيام حتى قامت الثورة المصرية التى أطاحت بمبارك. لقد ظهرت منتجات غذائية بطعم الجمبرى أو الكباب أو الزبدة الفلاحى والفاكهة، ارتبطت بفرع فى الكيمياء العضوية، حيث نجح العلماء فى التوصل إلى الجزء العضوى أو غيره الذى تتكون منه الرائحة، الطعام بطعم ورائحة الطبيعى.. لكنها رائحة مزيفة. كأنها الحقيقة.
تلك الرائحة المزيفة التى «كأنها» الحقيقة، هى أكثر مايسود الآن فى عالم السياسة، التى تشهد الكثير الأسماء والأشخاص، الذين أصبحوا نجوما بعد أن ركبوا موجة الثورة، دون أن يقدموا «أمارة» على إنجازهم. وقدموا ومازالوا يقدمون أنفسهم كأوصياء أو متحدثين باسم الشعب المصرى، بينما هم ينتمون فعلا أو بالتفكير إلى النظام السابق.
تحت إغراء السلطة الجديدة التى لم تتحدد ملامحها، اندمج هؤلاء وانخرطوا فى العمل السياسى غير مدركين للفرق بين الأفكار النظرية والممارسة العملية. ومن هؤلاء أحد أعضاء لجنة السياسات أو أكاديميون يبحثون عن وظيفة مع الحكومة أو مع المعارضة، منهم أكاديمى قفز على الثورة، وقدم نفسه باعتباره أحد كبار منظّريها، دون أن يقدم اجتهادا حقيقيا، و تحت كاميرات الفضائيات تحول إلى نجم من الصعب أن تجد لديه اجتهاداَ محدداً فهو تارة مع تأجيل الانتخابات، وأحيانا مع المبادئ فوق الدستورية وثالثة ضدها. المهم أن يكون موجودا تحت الأضواء. ومثله من اختار العمل مستشارا، ومعهم منظرون أو أدباء وأنصاف المعروفين، تحولوا إلى مستشارين أو خطباء، اكتشفوا أن الخطابات وسط الجموع تصنع منهم نجوما.
وجدنا أمامنا عددا ضخما من النجوم فى السياسة والفضائيات والمستشارين، دون أن يكون لدينا سياسة. وعدد هائل من الأحزاب تكتفى بالندوات والخطابات، من دون أن تدرب كوادرها، أو تراعى أن الكثير من المواطنين، يريدون المشاركة وهم بحاجة لمن يفتح أمامهم الأبواب، لكن الكثيرين من النجوم يفضلون كلام المؤتمرات والفضائيات عن العمل الذى ينتج فعلا وليس فقط.. صوتا.
ولسنا بصدد إدانة هؤلاء الذين كانت لهم سوابق تعاون مع النظام السابق، لكننا نرصد أن العمل السياسى الحقيقى غير موجود على الأرض، وأنهم يفعلون الآن ما كانوا يفعلونه مع الحزب الوطنى.
وتحمل خطابات وأصوات هؤلاء الكثير من التناقض أمام أى موقف حقيقى، يقولون كلاما أمام الكاميرات، ويقولون عكسه بعيدا عنها، ولهم كلام ثالث مع أهل السلطة... هم يبحثون عن غنائم غير موجودة، ويفضلون السهل من العمل وهو النجومية ويقدمون خطابات تشبه السياسية، لكنها تزدحم بالكثير من السذاجة والتناقض والتنظير.
هؤلاء مسؤولون عما يجرى، بعضهم مع النظام الجديد مثلما كانوا مع السابق، هم سياسيون برائحة السياسة، وهى رائحة مزيفة مثل «طعم الجمبرى».