أنا وأسرتى وزملائى وأصدقائى، والغالبية العظمى من معارفى وجيرانى، ضد تطبيق قانون الطوارئ، وضد مبدأ القوانين الاستثنائية أصلا، خاصة إذا كانت مرتبطة بإساءة التفسير والاستخدام لسنوات طويلة رأينا فيها الأهوال من تجاوزات العسكرى الأبيض والعسكرى الأسود، فهل تصلح هذه العينة العشوائية لأن تكون تمثيلا تقريبيا للمجتمع، بحيث نقول- ونحن مطمئنون- إن غالبية المجتمع المصرى ترفض تطبيق قانون الطوارئ؟
الإجابة الأمينة هى «لا»، لعدة أسباب، أبرزها أن شبح الفوضى القبيح بات قريبا جدا من مفاصل المجتمع الأساسية، حتى أصبح العنف والتدمير والاعتداء جزءا لا يتجزأ من مظاهر الاحتجاج الذى المفترض أن يكون سلميا حاملا لمطالب محددة وواضحة، لا أقصد فقط الأحداث الدامية الأخيرة، من إشعال النار فى مبنى مديرية أمن الجيزة، أو اقتحام السفارة الإسرائيلية، والاعتداء على الممتلكات الخاصة، وكذلك العدوان على مبنى وزارة الداخلية، بل أذكركم بصور الاعتصامات والمظاهرات السياسية أو الفئوية التى تشهدها البلاد، من الإسكندرية إلى أسوان، مرورا بالدلتا طبعا، فالملاحظ أن أى فئة أو فصيل أصبح يعبر عن مطالبه بقطع الطريق، أو تعطيل حركة القطارات، أو إيقاف المصانع، أو إغلاق المدارس، وكأن هذه الممتلكات والخدمات تخص الحكومة، والحكومة برئيسها ووزرائها فى مكاتبهم، بينما المواطنون الغلابة هم الذين يتضررون من تعطيل هذه الخدمات.
ما يجعل كثيرين يتجاوزون مرحليا عن مبادئهم ويتقبلون تطبيق الطوارئ، أنهم يوضعون بين اختيارين، أحلاهما مر، إما الفوضى والبلطجة والانفلات الأمنى، أو تطبيق الطوارئ، ولما كانت الفوضى هى أكثر ما يخشاه الناس، وأشد الأخطار على الدولة المصرية معا، ترى قطاعات لا يمكن تجاهلها، مثل القطاع الاقتصادى والمستثمرين، إمكانية القبول بمنطق الطوارئ فى اتجاه تعزيز الانتشار الأمنى الواضح فى مفاصل الدولة وأطرافها، وأن يتم تأمين المصالح العامة والممتلكات الخاصة، كما تقبل شرائح من المجتمع فرض القانون على مضض، ولكن وفق شروط عدة، فى مقدمتها أن تعود الدماء إلى شرايين قطاعات الداخلية، فلا يتكاسل رجال الشرطة عن مواجهة الجريمة، إمعانا فى معاقبة الناس، لأنهم قاموا بثورة ناجحة، وقلبوا نظام الحكم، وأن تجد الوزارة المعنية بالأمن حلا لظاهرة الانفلات.
أنا شخصيا أخشى أن ينسى المسؤولون عن تطبيق الطوارئ الإجابة عن السؤال: لماذا خلق الله القوانين الاستثنائية؟، وبدلا من مواجهة الأخطار الاستثنائية التى لا يصدها القانون الطبيعى فى الظروف الاستثنائية، تتحول عصا الطوارئ إلى وسيلة لإرهاب الناس، والسيطرة عليهم، ودائما يمكن لأى نظام اختراع أوضاع حرجة تمر بها البلاد تستدعى الإبقاء على عصا الترويض فى يده.
من ناحية أخرى، يحدث أن ينسى المسؤولون عن تطبيق الطوارئ من هو المجرم المستهدف بالقانون، البلطجى والإرهابى وحوت المخدرات وقاطع الطريق والمخرب والجاسوس، أم الإعلامى الذى ينقل الجرائم التى يرتكبها هؤلاء؟ هناك خلط فظيع فى تصور الإدارة المصرية عن الإعلام ودوره، لم تصحح ثورة يناير منه شيئا، اللص يرتكب الجريمة، ونحاسب الصحفى الذى نشر، بتهمة إثارة الرأى العام، الفاسد يلهف المليارات ويهرب، ونحبس الصحفى الذى كشف الفضيحة، الحاكم يؤمم موارد الدولة لحسابه وحساب عياله، ونضع الحراسة على الإعلام لأنه يعمل على توتير الأجواء، يا سلام!
بقدرة قادر أصبح الخبر المنشور أو المذاع هو الذى يدفع بالمولوتوف إلى يد البلطجى، ويزرع الرغبة فى الاعتداء والعنف داخل عقول الخارجين على القانون، وإلا بمَ تفسرون الإضافة العبقرية فى قانون الطوارئ المعدل ليسرى على الإعلاميين الذين يبثون «أخبارا أو بيانات أو شائعات كاذبة عمدا»، من الذى يستطيع أن يثبت العمدية هنا، وهل يكفى أن ينكر المسؤول حتى يصبح الخبر كاذبا، ويقع الإعلامى تحت مقصلة الطوارئ؟
الحقيقة أننى أرى فى هذا التعديل محنة العالم الثالث الذى تحرر من سيطرة الاحتلال الغربى أواسط القرن الماضى، ليقع بكامله تقريبا تحت سلطة العسكر المحليين الذين مارسوا قمع شعوبهم باعتبارهم «محدثين حكم»، وكلما سمعوا صوت الإعلام ينادى بالحرية والمحاسبة ودولة المؤسسات، تحسسوا مسدساتهم!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة