عندما هبطت طائرة رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا فى مطار القاهرة مساء الاثنين الماضى، فوجئ بالمئات من مستقبليه يرفعون الشعارات الإسلامية، والمطالبة بعودة دولة الخلافة الإسلامية. كان غالبية المستقبلين خارج المطار من أنصار التيارات والأحزاب الاسلامية، وخاصة من جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أن أردوغان هو زعيم حزب العدالة والتنمية، ذى التوجه الإسلامى الحاكم فى تركيا العلمانية الآن، والذى تتخذه أحزاب وجماعات الإسلام السياسى وبالأخص جماعة الإخوان، نموذجا يجب أن يحتذى به، والنوذج الأمثل للحكم فى مصر.
فى اليوم التالى كان رئيس الوزراء التركى يؤكد علمانية الدولة التركية، وإسلامية الفرد فيها، وهو فى ذلك متسق تماما مع دستور الدولة الذى يحكم به، والذى حسم خيار تركيا منذ إنشاء الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك فى عام 1923، وحدد هويتها ونظامها الاجتماعى والسياسى، ولا يجرؤ حزب أيا كان توجهه، على المساس بها أو محاولة نقاشها، وكما قال أردوغان، فإن الدولة علمانية لأفراد مسلمين، وتقف على مسافات متساوية من جميع الأديان، رغم أن الإسلام يشكل نسبة 99 % من الشعب التركى.
الذين استقبلوا أردوغان بالشعارات الإسلامية، وظنوا أن زيارته هى أكبر دعم لهم فى طريق الوصول إلى حكم مصر، قد لا يعرفون أن حزب العدالة والتنمية التركى منذ أن وصل إلى الحكم فى تركيا عام 2002، يصنف نفسه بأنه يتبع مسار محافظ ليبرالى، معتدل، غير معادٍ للغرب، يتبنى رأسمالية السوق، يسعى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى، وينفى عن نفسه أن يكون «حزبا إسلاميا» ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية فى خطاباته السياسية، ويقول إنه حزب محافظ، ويصنفه البعض على أنه يمثل تيار «الإسلام المعتدل».
بل إن حزب العدالة والتنمية يحكم بدستور لا يوجد به دين رسمى للدولة، رغم أن الغالبية العظمى من سكان تركيا تدين بالإسلام، ونص المادة 24 من الدستور يشير إلى أن مسألة العبادة هى مسألة شخصية فردية.
تركيا حسمت هويتها رغم تجدد الجدل فى السنوات الأخيرة حول العلمانية، بعد صعود الأحزاب ذات الجذور الإسلامية إلى الحكم. وإذا كان النموذج التركى هو المرحب به من تيارات الإسلام السياسى فى مصر، فنحن نؤيده تماما.