الأصل فى القانون الطبيعى أن كل الناس أبرياء حتى تثبت إدانة أحدهم أو بعضهم، بينما الأصل فى قانون الطوارئ أن كل الناس مذنبون حتى تثبت براءة أحدهم أو بعضهم، لذلك فإن كنت من المهللين لقانون الطوارئ باعتباره أداة للقضاء على البلطجة، فاعلم أن أصابع الاتهام موجهة لك فى أى لحظة، وأن ما تفرح به الآن قد تبكى عليه غدا.
لا يعنى رفضى لقانون الطوارئ أنى ضد معاقبة من تثبت عليه تهمة جنائية أو سياسية، لكنى أتعجب أن من الذين هللوا لهذا القانون المشبوه الذى يأخذ «العاطل فى الباطل» خاصة من الجماعات الإسلامية التى رحبت بهذا، بـ«الطوارئ»، والذين مستهم ناره وسكنت حلوقهم مرارته، فالعلوم الإنسانية تقول إن من عانى من الظلم يظل حريصا على ألا يظلم، لكن العلوم ذاتها تؤكد أن بعض من يتعرضون للظلم يتحولون إلى ظالمين جدد، ويستمتعون برؤية الآخرين وهم غارقون فى العذاب.
يقينى أن من يظن أن المتظاهرين أو الناشطين أو البلطجية هم المستهدفون من تطبيق هذا القانون سيئ السمعة والتاريخ، فهو واهم بلا شك، فلن يستطيع أحد مهما علا أو تجبر أن يجهض مظاهرة سلمية ذات مطالب مشروعة، أما البلطجية فلا أظن أن هناك نية من الأساس للقضاء عليهم، فأسماؤهم وعناوينهم وجرائمهم معلومة لأى أمين شرطة فى أصغر قسم بوليس، لكن يبقى السؤال إذن: من هم أول المتضررين من قانون الطوارئ؟
فى اعتقادى أن شهر العسل الذى قضته الجماعات الإسلامية مع المجلس العسكرى وأولهم الإخوان المسلمين قد أوشك على الانتهاء، إن لم يكن قد انتهى بالفعل، وفى اعتقادى أيضا أن المجلس لن يمسس أيا من التيارات السياسية المدنية الأخرى لأنها فى صلب عقيدتها السياسية لا تطالب إلا بما هو مشروع عالميا وإنسانيا، أما القوى الإسلامية فقد أدت وظيفتها على أكمل وجه، واستطاعت فى أكثر من مرة أن تشق صف الثوار وأن تستعدى بعضهم وأن ترتمى فى أحضان المجلس العسكرى، ووصل الأمر ببعضهم إلى الشروع فى المساومة على دماء الشهداء وإقناع أهاليهم بقبول الدية، كما أنهم لم يتوانوا لحظة عن استعراض قوتهم وقدرتهم المادية والبشرية، وقد تركت لهم الساحة السياسية ليستعرضوا كيفما شاءوا، مستغنين عن حذرهم القديم فى التقية والتخفى، حتى زادت المطامع بما لا يتحمله لا الشعب ولا المجلس.
كل هذه المقدمات ربما تكون تمهيدا لعملية عصف تاريخية بالجماعات الإسلامية، ووقتها لن يلتفت إليهم الشعب باعتبارهم ليسوا ضمن نسيجه أصلا، ومن لا يصدقنى فليراجع التاريخ الذى لم يسجل ولا انتفاضة واحدة حينما تم العصف بالجماعات الإسلامية فى التسعينيات، بينما انتفض عن بكرة أبيه حينما سالت دماء الشباب «السيس» وأعتقد أيضا أن الفترة المقبلة ستشهد مواجهات عديدة بين المجلس من ناحية والإسلاميين من ناحية أخرى، خاصة فيما يتعلق بملف التمويل الخارجى والحرب على الإرهاب المتطرف، ووقتها سيطول قانون الطوارئ من هللوا له واعتبروه انتصارا على إخوتهم من الشباب الثائر.
لست خائفا على الثورة، فللثورة شعب يحميها، ولست خائفا على شبابها فقد أثبتوا أكثر من مرة أنهم أهل لأحلامهم، لكنى والله على ما أقول شهيد، أرتجف رعبا على إخوتى من الإسلاميين، الذين أختلف معهم كثيرا، و«تغابوا» كثيرا أيضا، من أن يطولهم عذاب أو اضطهاد أو تنكيل، لكنهم إخوتى أولا وأخيرا.