ليلة الخميس الماضى نجح اليسار الدنماركى فى أن يحسم نتيجة الانتخابات البرلمانية لصالحه، وبدأ الاستعداد لتشكيل حكومة جديدة ترأسها سيدة لأول مرة فى تاريخ الدنمارك السياسى.. أنت طبعا لا ترى فى ذلك أى علاقة بك، وبالتالى فإن مقدار اهتمامك بتلك الانتخابات لا يجب أن يتعدى نسبة الصفر فى المائة، وربما مع كل الارتباك الذى تعيشه القاهرة فى مرحلتها الانتقالية تكون محقا فى عدم اهتمامك بما يحدث داخل الدنمارك، ولكن حينما يمس هذا النجاح حياة ومستقبل عشرات الآلاف من المسلمين لابد أن تهتم، حينما تعرف أن بعضا من المعاناة التى كانت تطارد المهاجرين العرب والمسلمين فى الدنمارك وإن كانت قليلة ستختفى بفعل سياسيات أحزاب اليسار الأكثر انحيازا للمهاجرين وحقوقهم لابد أن تهتم.
ولابد أن تهتم أكثر حينما تعرف أن بعض المتشددين من الإسلاميين الذين أسسوا حزب التحرير ذى الميول السلفية، وهو حزب غير شرعى فى كوبنهاجن، قد يهدرون تلك الفرصة الذهبية على باقى الجالية الإسلامية والعربية، بدعوتهم للمقاطعة وعدم المشاركة فى الانتخابات الدنماركية واعتبارها واجبا شرعيا بحجة أنهم لا يريدون هذا النظام الدنماركى من أصله، وعدم جواز مشاركة المسلم فى دعم نظام سياسى كافر!
صدق صيغة دعوة المقاطعة لأن بعض المسلمين وتحديدا من العرب فى بلدان أوروبا يتلذذون بفكرة الأقلية ولعبة الاضطهاد، ويجتهدون فى إثباتها أكثر من اجتهادهم فى الاندماج داخل المجتمع الذين اختاروا بأنفسهم العيش فيه، وهى اللعبة التى يعانى منها عدد آخر من المسلمين الباحثين عن المشاركة والاندماج فى المجتمع والدفاع عن حقوق المهاجرين والأقليات من داخل البرلمان ذاته وليس فقط عبر البكاء والصراخ «إحنا مضطهدين» «إحنا مضطهدين»، ويرون فى دعوات المقاطعة إساءة بالغة للإسلام، لأنها تجعل الإسلام عدوا للديمقراطية وممارستها.
من هنا تأتى ضرورة الاهتمام الذى أتكلم عنه بخصوص انتخابات الدنمارك وباقى الحركة السياسية المختلفة التى تشتعل فى أوروبا الآن، وتدفع اليسار خطوات إلى الأمام، بما يحمله من وعود للمهاجرين العرب والمسلمين وتعاطف مع قضايا الشرق عموما، الاهتمام هنا واجب شرعى لإنقاذ صورة الإسلام من بين أيدى هؤلاء المتشددين الذين حولوا أنفسهم من مجرد ضيوف على وطن أجنبى إلى مُلاك يسعون لتغيير نظام حكمه، وفرض تقاليدهم بالإجبار وباستغلال الدين، فلا أحد يعرف حتى الآن بأى مبرر غير تكفير النظام الدنماركى دعا السلفيون فى كوبنهاجن لمقاطعة الانتخابات، بدلا من مساندة الكتلة اليسارية التى وعدت بقوانين أفضل للمهاجرين، وتتجه نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
هذا النوع من المهاجرين موجود فى الغرب بكثرة ويحترف تضييع فرص خلق جاليات عربية وإسلامية قوية تملك القدرة على تشكيل جماعات ضغط فى تلك الدول، مثلما هو الحال مع إسرائيل، كما أنه يحترف الإساءة للإسلام ويتعمد التأكيد على تلك الصورة الانعزالية الكارهة لكل ما هو مختلف والمضادة لكل ما هو آخر.
اهتم ياصديقى لأن هؤلاء المتشددين يسيرون بأستيكة ويمحون دون أن تدرى كل الجهود المبذولة لتحسين صورة الإسلام فى الغرب، وتنقيتها من شوائب بن لادن والظواهرى وكل أعمال العنف.. اهتم ياصديقى بما يفعلونه فى الخارج حتى تعلم أن مواجهة هذه الأفكار المتشددة فى مصر تعنى إنقاذ الداخل والخارج معا.. أو بمعنى أدق إنقاذ الإسلام من ذلك البرواز المتطرف الذين يسعون لحصره بداخله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة