على غير عادة أستاذنا الكبير فهمى هويدى لم يحتو مقاله الذى حمل عنوانا هو «ابن الديمقراطية لا العلمانية» والمنشور أمس الأول بجريدة الشروق أى اقتباسات أو تصريحات معلومة المصدر أو القائل، ولا أعرف ما الذى جعل الأستاذ يخالف عادته، وهو الذى يحرص دائما على أن يذكر اسم الجريدة التى يقتبس منها وتاريخ نشر المقال أو الخبر وصاحب التصريح، وما جعلنى ألتفت إلى هذه المخالفة الواضحة لاستراتيجية الكتابة عند الأستاذ هو أنه قال فى بداية المقال: العلمانيون فى مصر احتفلوا بأردوغان وصفقوا للنموذج التركى معتبرين أن بروز هذا الرجل وإنجازاته وما بلغته بلاده من علو ونهضة من ثمرات العلمانية» وألمح أستاذنا الكبير إلى أن المراد من هذا الترحيب المبالغ فيه خبث الطوية لدى العلمانيين ليقنعوا جمهور القراء بأن العلمانية هى الحل والسبيل لتقدم مصر!.
انتظرت أن يأتى الأستاذ هويدى بأمثلة من تصريحات العلمانيين التى يرحبون فيها بأردوغان فلم أجد، حاولت أن أبحث عنها فوجدت أن العديد يحسبون على التيار المدنى أو العلمانى مثل الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى والكاتبة الروائية سلوى بكر والناقد اليسارى عبدالمنعم تليمة، والناقد سيد الوكيل والكاتبتين هويدا صالح وأمينة زيدان هاجموا الرجل فى تصريحاتهم المنشورة فى «اليوم السابع» بتاريخ 14 سبتمبر، وللحق فقد كان هذا الهجوم مبنيا على مبادئ ديمقراطية ووطنية ثابتة، فأدانوا موقفه المتعسف تجاه حقوق الأكراد فى بلاده، كما أدانوا حالة الاحتفاء والانبهار بالنموذج التركى بدافع الغيرة الوطنية مؤكدين أن الأنسب لمصر هو أن تنتج زعيمها الخاص لا أن تعبد صنما جديدا ممثلا فى أردوغان، كاشفين أن هذا التقارب من الجانب التركى لا يخدم إلا المصالح التركية لا من أجل «سواد عيوننا».
بحثت عمن رحب وهلل وصفق واستقبل أردوغان استقبال الفاتحين فلم أجد غير الإسلاميين الذين قابلوه فى المطار بالورود والرياحين، حتى هتف له بعضهم «أردوغان لك التحية.. عايزين مصر إسلامية» وسبق هذا الاستقبال الاحتفالى محاولات تبشير بالنموذج التركى وبنجاح الأحزاب الإسلامية والنموذج الجاهز طبعا هو حزب العدالة والتنمية الذى يرأسه رجب طيب أردوغان، بل إن الإخوان المسلمين حاولوا تقليد هذا الحزب فأطلقوا على حزبهم اسما مشابها هو «الحرية والعدالة»، حزب إسلامى آخر هو حزب الوسط كان يستلهم النموذج التركى فى كل شىء، وكان يقلد تجربة أردوغان فى برامجه ومشاريعه المستقبلية ويدرس هذه التجربة لكوادره، باعتبارها أسهل طريقة لإقناع الناس بالانضمام للحزب، لكن الطريف فى الأمر هو انقلاب الإسلاميين على أردوغان بعد تصريحاته التى أكد فيها على أن العلمانية ضرورة وليست ترفا، وأن كون الدولة علمانية لا يمنع أن يكون المواطن مسلما، فهاجموه كلهم بتناقض كبير وكأنهم يريدون أن يقولوا له: خيبت أملنا فيك، راجع فى هذا مثلا تصريحات وبيانات أبوالعلا ماضى وعصام العريان وعبدالمنعم الشحات، لكن مواقف الإسلاميين المتناقضة هذه لم تفاجئنى لمعرفتى بهم وبعقليتهم الانتقائية المتلونة، فقط فاجأنى مقال الأستاذ هويدى.