أصبحت العلاقة بين الجيش والشعب الآن على المحك. ومنذ بدأ الثوار وأهل الرأى ينتقدون أداء المجلس العسكرى، راجت فكرة أن انتقاده يعنى انتقاد الجيش المصرى. كثيرون تحدثوا يفرقون بين المجلس العسكرى كقيادة سياسية، وبينه كقيادة عسكرية. شيئا فشيئا بدأ الناس يدركون أن انتقاد المجلس العسكرى يعنى انتقاد سياسته فى المجتمع بعيدا عن الجيش، الذى
لايزال شعار الجيش والشعب إيد واحدة شعارا حقيقيا أو يتمنى الجميع أن يكون كذلك.
حتى فى حالة الرد على من يقارن بين أداء الجيش فى مصر، وأدائه فى سوريا أو ليبيا يقول المستنيرون الحقيقة وهى: أن المؤسسة العسكرية المصرية منذ أنشأها محمد على وهى درع الأمة الحصين فى حماية أرضه وحماية المدنيين، مثلها فى ذلك مثل أى جيش حقيقى فى بلد محترم. أقول قولى هذا للتأكيد على هذه الحقيقة، وافتح الحديث فى موضوع أرجو أن يفهم فهما صحيحا فى إطار وطن نريده ديمقراطيا بعد ستين عاما من حكم الفرد.
كانت ثورة يوليو من عمل الجيش المصرى، ومنذ ذلك الحين استقر نظام الحكم على أن يتولى لواءات أو عمداء أو أى رتب كبيرة المواقع المؤثرة فى الحياة المصرية، وعلى رأسها المحافظات والمصانع والمؤسسات الكبرى للدولة. قاسم رجال الجيش فى ذلك رجال البوليس ولا مانع أن يكون بينهم عدد قليل جدا من القضاة أو أساتذة الجامعات مثلا «عدد لا يعتد دائما به» كان ذلك مع انفجار ثورة يوليو وإلغاء الأحزاب ووجود مشروع وطنى للاستقلال الاقتصادى والاجتماعى مقبولا وإن قضى على فرصة الشعب أن يختار قادته كما يحدث فى الدول الديمقراطية وكما كان يحدث لدينا قبل ثورة يوليو فى ظل الاستعمار البريطانى. كانت الاشتراكية والشيوعية هى حلم الدول الناهضة، وكانت مركزية الدولة هى الأساس مع السادات رئيسا صار المشروع الحر أساس التقييم الاقتصادى، ورفعت شعارات الديمقراطية التى لم تتحقق، لكن استمرار تولى هذه المناصب قاصر على سيادة اللواء بالتعيين بعد خروجه على المعاش أو قبل خروجه. استمر الأمر مع الرئيس المخلوع مبارك على ماهو عليه فى تولى المحافظات والأحياء وكل المواقع الخدمية وغير الخدمية التى مازالت تحت نفوذ الدولة وليس القطاع الخاص. فى هذه المواقع لم تعد هناك فرصة للنابهين من أهلها بل أصابهم اليأس لأنه فى النهاية سيأتى سيادة اللواء رئيسا للموقع أو الهيئة أو المؤسسة، وأصاب الروتين كل شىء وبلغ الفساد مبلغا لا يمكن تصوره وخاصة فى الأحياء والمحافظات حتى إنه على سبيل المثال لم تستطع أى محافظة حتى الآن الانتهاء من أبسط المشاكل مثل مشكلة الزبالة. وحتى إنه فى ظل هذا النظام فتح الباب للقضاء على أحد أهم مصادر الثروة القومية وهى البحيرات العظمى التى كانت أيضا من أهم مظاهر التوازن البيئى. خلقها الله كذلك وتم تدمير بعضها إلى النهاية مثل بحيرة مريوط، وبعضها لم يتبق منه إلا عشرة أو عشرين فى المائة. الحديث طويل عن الخراب الذى حل بالبلاد والذى لم تستطع هذه الطريقة فى اختيار القيادات القضاء عليه خاصة بعد أن انتهى المشروع القومى والتخطيط المركزى وصار المشروع الحر أساسا للنظام، مما يتعارض مع هذه السيطرة المركزية. بل تقف هذه المركزية ضده تماما. نجمل الحديث فى كلمة أو جملة وهى أنه لم تكن ثورة 25 يناير ستقوم لولا هذا الخراب الذى يتحمله النظام. ثورة يناير لم تكن ضد مبارك وعائلته فقط ولكن ضد نظام للحكم انتهى بالبلاد إلى هذه النهاية. فى الدول الديمقراطية يتم انتخاب المحافظين ويتم انتخاب رؤساء الأحياء ومن يشاء من السادة اللواءات رئاسة المحافظات أو الأحياء فليس عليه إلا أن يترك خدمته ويدخل الانتخابات. أما إذا أراد رئاسة مؤسسة أو مصنع فعليه أن يتقدم إلى مسابقة على ذلك الموقع شأنه شأن أبناء الموقع بشرط أن يترك خدمته. قبل ثورة يوليو كان رئيس الحى منتخبا من ملاك العقارات، لذلك لم يكن يسمح بالتجاوز فى البناء محاباة لأحد أو غير ذلك من أعمال الحى.كانت مصر نظيفة يضرب بها المثل ويقال: إن لندرة يعنى لندن وباريس مدينتان نظيفتان مثل القاهرة، وكانت الإسكندرية عروس البحر المتوسط وليست مزبلته، أما بورسعيد والإسماعيلية فحدث ولا حرج عن الجمال الفائق للحدود، وكل ذلك لأن الشعب كان يختار رؤساء أحيائه ومدنه ولا ينزلون عليه بقرار. ستقول لى إن هناك من المحافظين أو رؤساء الأحياء أو المصالح من يعمل جيدا، سأقول لك إن هناك دائما استثناءات بين البشر، لكن القاعدة منذ أربعين سنة أن من يتولى منصب من هذه المناصب يتركه خلفه خرابا، وإلا ما كان جرى ما جرى فى البلاد. سيادة اللواء إذا كنت فى الجيش فنحن نحترم دورك فى حماية الوطن، وإذا كنت فى البوليس فنحن نحترم دورك فى أمن المجتمع، لكن أنت هنا أو هناك لست وليا على الشعب بعد ما ظهر من ولايتك عبر الستين سنة السابقة وبعد ما وصلت إليه البلاد، والطريق أمامك مفتوح لأى موقع سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى بالطريقة الطبيعية التى أشرت إليها من قبل، فى دولة تريد أن تتقدم وتحقق الديمقراطية أساسا للتقدم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة