فجأة أصبحت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ورطة كبيرة للبلدين معاً، لأول مرة منذ توقيعها فى سبتمبر 1978. فى السابق كانت الاتفاقية مكسباً هائلاً للدولة العبرية، استطاعت من خلالها كسر دوائر الحصار العربى والعالمى، وتحقيق نقلات نوعية لاقتصادها، والتمدد خارج حدودها بعد تخفيض الضغوط الرئيسية على الجبهة المصرية. وفى المقابل كانت الاتفاقية انتقاصاً كبيراً من الرصيد المصرى عربياً وإقليمياً، فقدت مصر بسببها مكانتها كدولة قائدة فى محيطها العربى، وقاطعها الأشقاء حتى وصل الأمر إلى نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، ومنذ ذلك الحين والرصيد المصرى يتآكل باطراد على كل المستويات. صحيح أن مصر استعادت كل أراضيها المحتلة فى سيناء تقريباً باستثناء منطقة «أم الرشراش»، إلا أن الاتفاقية وظلالها فرضت على نظام مبارك أن يبقى على سيناء مجرد صحراء خالية بعيدة عن التنمية!
الآن اختلف الوضع بعد تنامى رد الفعل الشعبى تجاه جريمة قتل الجنود المصريين على الحدود بالرصاص الإسرئيلى، فلم يعد مبارك موجودا ليضع كل جريمة إسرائيلية فى «فريزر» الصمت والتجاهل، وتحول الأمر إلى انقسام حول المعاهدة داخل كل من مصر وإسرائيل، ففى مصر وصل الضغط الشعبى إلى إهانه وإذلال العلم الإسرائيلى بإسقاطه من أعلى السفارة، وإحراقه، ووضع العلم المصرى مكانه، إلى جانب محاصرة السفارة وبيت السفير، والمطالبة برحيله، بل وصل الأمر إلى رفع دعاوى قضائية لإلغاء المعاهدة، وإيقاف تصدير الغاز إلى تل أبيب، وطرد السفير من مصر، واستدعاء سفيرنا من إسرائيل.
وفى تل أبيب انقسم الشارع الإسرائيلى بين مؤيد ومعارض لتعديل معاهدة السلام مع مصر بما يسمح بنشر قوات مصرية إضافية على الحدود، وفى الوقت الذى أعلن فيه مسؤولون فى الحكومة والجيش الإسرائيليين استعدادهم للتفاوض حول زيادة القوات المصرية، خرج رئيس الكنيست مهاجما نتنياهو مستبقا أى تفاوض بين الجانبين بالرفض البرلمانى، كما نقلت الصحف الإسرائيلية ردود فعل شعبية واسعة تميل إلى التطرف، وترى أن أى تعديل لاتفاقية كامب ديفيد، وضمنها معاهدة السلام، يضر بالأمن القومى لإسرائيل.
الخلاصة أن معاهدة السلام أو الجزء المفعل الوحيد من كامب ديفيد، تحول من آلية لإنجاز سلام مصرى إسرائيلى إلى ورطة لكل من الطرفين، فإسرائيل متمسكة بالمعاهدة، لكنها مصرة على تجاوز حدودها، والتطاول على خطوط التماس، بزعم وجود تهديدات لها، كما أنها «تتلكك» لإحراج الإدارة المصرية أمام الشعب، حسبما اعتادت أن تفعل أيام مبارك للإمعان فى الضغط عليه، وفى المقابل يمضى الزخم الشعبى الثورى فى اتجاه عدم القبول بأى تجاوز أو عدوان من ناحية تل أبيب، والرد عليه فورا بلغة الشعوب التى لا تقهر، وصولا إلى رفض مظاهر السلام، من وجود سفير وسفارة وعلم، فالشعب الذى استطاع أن يكسر قيوده، ويخلع المستبد، لا تنقصه شجاعة أن يضع الإسرائيليين فى خانة العدو دون لف أو دوران.
الموقف حاليا يعنى قلب موازين القوى فى المنطقة بعد خمسة وثلاثين عاما من الجمود، لندخل دورة جديدة من حالة اللاحرب واللاسلم، دون أن يعرف أحد ما إذا كانت مصر أو إسرائيل أو المنطقة تحتمل هذه الحالة على المدى المنظور.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة