جريمة ارتكبها النظام السابق قبل 19 عاما، تلك الجريمة يكشفها الحكم الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى أمس ببطلان عقود بيع شركات شبين الكوم للغزل والنسيج، وطنطا للكتان، والنصر للمراجل البخارية. ويمثل إدانة لعصر الرئيس السابق حسنى مبارك، وجرائم ما سمى بالخصخصة، وصفقات بيع مليئة بالتلاعب.
لم تكن خصخصة وإنما انتزاع للمال العام ووضعه فى أيد ملوثة، والثمن دفعه الشعب والعمال، لم تكن تتبع قوانين السوق كما ادعى النظام ووزراؤه وقتها، بل كانت عملية سرقة بالإكراه.
منذ 19 عاما فى عام 1992، كانت ترتكب أول جرائم الخصخصة، والتى استندت إلى «لا قانون» الفساد، بيع شركة المراجل البخارية، فى حكومة عاطف صدقى وبمعرفة عاطف عبيد الذى كان وزيرا لقطاع الأعمال، شركة المراجل تأسست 1962 ضمن برنامج مصر النووى، وتم انتزاع أراض لها بقرار جمهورى لإقامة مصنع الشركة وأوعية الضغط فى منيل شيحة بالجيزة على مساحة31 فدانا، كانت تنتج قواعد مدافع الهاون وأجهزة تطهير الأفراد للحرب الكيماوية وأوعية الضغط للقوات البحرية، وأفران صهر الصلب وتقطير البترول وحوائط تبريد الأفران، وأبراج وأفران الأسمنت وأوعية الضغط العالى، وأجزاء محطات الكهرباء، أى أنها كانت تعمل فى صناعة الصناعة.
وبدأ برنامج الخصخصة بتصفيتها مع أنها كانت تحقق أرباحا، صدر قانون 203 لعام 91 ومعه خطوات متعمدة لتخسير الشركة وتحميلها بالديون لتبرير بيعها، تم تحويل تبعيتها للشركة القابضة للصناعات الهندسية، وتراجع بنك الاستثمار القومى عن تمويلها، مما ضاعف أعباءها وفوائد الديون، فى سبتمبر بدأت خطوات البيع عام 92 وفى فبراير 1994 تم بيع الأصول الثابتة والمخزون بشركة المراجل بـ17 مليون دولار، بعدها اشترى رجل الأعمال محمد عبدالمحسن شتا حصة الشريك الأجنبى، وتغير اسم الشركة، وانتزع المستثمر المصرى 11 فدانا من أراضى الشركة، وهدم ما عليها من مبان وورش لتصنيع الغلايات ومركز التدريب الذى كان يضخ العمالة المدربة للشركة وسوق العمل، وحل مكانه مشروع عقارى فاخر.
شهد مجلس الشعب استجوابا حول تصفية «المراجل البخارية»، قدمه النائب البدرى فرغلى، لكن الاستجواب تم إفساده بفضل طريقة الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس البرلمان، بالعودة إلى الجدول واستخدم زعيم الأغلبية كمال الشاذلى الأغلبية الميكانيكية فى التعتيم.. كانت الأراضى تساوى أضعاف الثمن الذى تم به البيع.. تم تخريب مصنع استراتيجى وتحول إلى عمارات وشقق، متزامنا مع كشف قضية فساد عبدالوهاب الحباك رئيس الشركة الذى حقق ثروة 100 مليون جنيه من الرشاوى والفساد.
ما جرى فى «المراجل» تم مع «غزل شبين» و«كتان طنطا»، وغيرهما، جريمة متعمدة لتدمير الصناعة وتحويل أصولها لعمارات ومساكن فاخرة. بالأمس صدر حكم بطلان البيع، فهل يمكن أن تعود هذه الشركات من جديد إلى الشعب وتعود للعمل؟ سؤال يحتاج إجابة.. ونواصل.