ليس مطلوبا منك أو منى أن نتلهف على نصيب كلينا فى الأموال المنهوبة والمهربة للخارج، والتى ستستردها مصر الثورة، بقدر ما نحتاج أنا وأنت إلى التعقل والتفكير قليلا فى الخدعة الكبرى التى تمثلها نغمة «استرداد الأموال»، وهو تفكير سيقودنا بلاشك إلى قدر كبير من الحسرة والندم على وقتنا وأعصابنا التى تلفت فى انتظار تلك الأموال، والتى يعلم كل هؤلاء الذين يروجون لعودتها أنها لن تعود - فى الوقت الحالى على الأقل - ويكتفون بالتذرع بها لتقديم أقطاب النظام السابق لمحاكمات عادلة – ستفنى فيها أعمارنا أيضا - دون أن نرى حكما واحدا يسكن أرواح الشهداء أو يشفى صدور ذويهم، ويطلبون منا التمهل قليلا لأن القوانين الدولية ودساتير البنوك التى تسخر حساباتها خزائن للأموال المسروقة، لا تعترف بالمحاكمات العاجلة أو الأحكام السياسية كما لا تعترف بالثورات أيضا.
إنهم يستغفلوننا.. أليس كذلك؟! فعندما تستيقظ كل صباح على لجنة جديدة تشكلت تحت مسمى استرداد الأموال المهربة من الخارج، وأصبحت تلك اللجان فى عددها تنافس عدد ائتلافات الثورة، فلا الثورة أصبحت فى أمان ولا استعدنا مليما واحدا من أموالنا، ورغم ذلك تعمل ماكينة التصريحات للسادة رؤساء تلك اللجان عن المكاتبات والمراسلات التى تجرى بينهم وبين البنوك والحكومات فى الخارج لتجميد الأرصدة وبحث آلية استعادتها، وتصريحات مماثلة عن ضرورة عدم الضغط على القضاء فى نظره لقضايا الفساد حتى لا يجرح مشاعر الأوروبيين المرهفة، فيحرموننا من أموالنا، ولا تعتقد أننى حين أقول هذا أنى أتعسف ضد تلك اللجان أو أحملها فوق طاقتها، لأنى أتحداك أن تستطيع أن تذكر الفرق بين اللجنة التى شكلها مجلس الوزراء أو تلك التى شكلها وزير العدل أو تلك المسماة بـ«اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال»، كما أتحداك أن تتذكر إنجازا واحدا لأى منها.
لا ندرى إن كان هذا الاستغفال مقصودا أم أنهم مخدوعون أيضا مثلما يخدعوننا، ويريدون أن يزيحوا مسؤولية من على أكتافهم بالتسويف والتذرع بانتظار الأحكام العادلة، ولكن بنظرة واحدة لكل الدول العربية التى قامت بها ثورات ستكتشف أن تلك الدول الأوروبية التى تدعى الشرف والنزاهة لم تنتظر أحكاما قضائية لتجمد أرصدة القذافى أو بشار الأسد أو زين العابدين بن على، فهى بمجرد تأييدها لتلك الثورات بدأت حملة التنكيل بالأنظمة بالتضييق عليهم ماديا، بل وصل الأمر إلى نقل أموال القذافى وأرصدته المجمدة نقدا عبر طائرات حربية للثوار الليبيين، وتم استلامها كأجولة البطاطس دون أن يفتح واحد فمه عن الإجراءات القانونية الصحيحة المتبعة فى نقل هذه الأموال، وكذلك الأمر سيحدث مع المعارضة السورية بمجرد سقوط الأسد، بعد كل هذا سيصبح نوعا من الوقاحة أن يطلب منا مسؤول غربى ما يثبت أحقيتنا لهذه الأموال، أم أنها خدعة كبرى وقعنا فيها جميعا ولا توجد أموال من الأصل.