أحال الأمين العام للأمم المتحدة الطلب الرسمى الذى تقدم به الرئيس الفلسطينى لبدء إجراءات قبول عضوية بلاده إلى مجلس الأمن للنظر فيه، وإذا تمت الموافقة (بعد الحصول على تسعة أصوات بينها الدول الخمس دائمة العضوية) يعود الطلب إلى الأمم المتحدة ليتم المراد، الرئيس الأمريكى الذى كان يحلم برؤية المقعد الفلسطينى فى المنظمة الدولية بحلول سبتمبر 2011، سيستخدم فى الغالب حق الفيتو ضد المقعد فى الموعد الذى حلم به، لأنه لا يليق أن يغضب حبيبته قبل 14 شهرا من إعادة انتخابه، والحكومة المتطرفة فى تل أبيب لا تريد قيام الأمم المتحدة بوضع حدود 1967 على أنها نقطة انطلاق المفاوضات، لأن ذلك سيحد من طموحها الاستيطانى، وإذا حدث ما يحلم به محمود عباس، وهذا صعب، سينص القرار على إقامة دولة (على أساس) حدود 67 وليس (فوق) حدود 67، وهو ما يعنى سنوات أخرى من التفاوض والتنازلات، وسيأخذ الفلسطينيون المفاوضون بعد الاعتراف بهم القرار إلى مجلس الأمن، لكى يثبتوا أنهم استوفوا الشروط التى حددتها المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، وهى أنهم يملكون أرضا وشعبا وحكومة، بالطبع يوجد شعب وشعب عظيم، سرقت واغتصبت أرضه، وحكومته لا حول لها ولا قوة، لأنها تخلت عن خيار المقاومة المسلحة ضد محتل يعلم الجميع أنه محتل، وتدعمه أمريكا التى تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان فى المنطقة باستثناء فلسطين!، إسرائيل لن تقول إنها دولة احتلال، وتحت يدها «مستمسكات توراتية»، وبالتالى سيعود محمود عباس إلى الأمم المتحدة ليثبت أن بلاده تحت الاحتلال، والذين يزعمون أن الاعتراف بفلسطين سيحل المشكلة واهمون، لأننا أمام دولة قسمها الاحتلال إلى خمسة أجزاء، غزة ( أكثر من مليون نسمة)، التى تحكمها حماس وتحاصرها، وتنكل بها إسرائيل (شوف العذاب)، الضفة الغربية (2، 6 مليون) وتحكمها إسرائيل رغم وجود سلطة وطنية، القدس الشرقية (38 % من السكان)، وقاطنوها يتعرضون يوميا للقمع لكى يتركوا منازلهم، الجزء الرابع هو خمسة ملايين لاجئ ينتشرون فى 58 مخيما معترفا به، والأخير 1، 3 مليون يعيشون فى الأرض المحتلة الأخرى، نحن أمام ثلاثة كيانات منفصلة (غزة والضفة والقدس الشرقية)، وأمام حكومتين تفترض كل واحدة منهما أنها الشرعية التى على حق، واحدة بحكم التاريخ والأخرى بحكم غزوة الصناديق، وتصالح الطرفان بعد مفاوضات شاقة، ولكن «اللى فى القلب فى القلب»، ويتعامل الجميع بالشيكل الإسرائيلى.
عدم التفاؤل لا يروق لكثيرين سأكون بينهم هذا الأسبوع فى مظاهرة لدعم الطلب الفلسطينى المشروع، والذين أثق فى نواياهم الحسنة والصادقة تجاه فلسطين، ولكننى أرى أنه لا فرق بين أفراد العصابة الدولية، التى يتزعمها أوباما وأقرانه على شاكلة ساركوزى وبيرلسكونى وبين نتنياهو وصبيته، ولأننا توقفنا منذ زمن عن الحديث فى البديهيات، التى لو تحدثت فيها تكون ضد السلام وغير متحضر، وهى أننا أمام جسم غريب تم زرعه فى أرضنا، ويقتل كل يوم فى أهلنا، وفلسطين ليست قضية إقليمية تهم مصر أكثر من أى طرف، ولكنها قضية مرتبطة بانتكاسة الإنسانية، الإنسانية التى أطلقت الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وتشاهد الفلسطينيين خارجه، الإنسانية التى اعترفت بإسرائيل وجنوب السودان فى خمس دقائق، ولكنها غير مستعدة للاعتراف بشعب سيذكر التاريخ أنه كان نموذجا للدفاع عن أرضه ولغته ودينه ببسالة ونبل تحتاجهما البشرية فى نضالها ضد الظلم. الذهاب إلى الأمم المتحدة لن يحل المشكلة، ولكنه أعاد مفردة فلسطين إلى مكانها الحميم فى القاموس والقلوب، بعد أن نجح الإسرائيليون والقادة العرب فى جعلها «غزة والضفة»، فلسطين المحتلة، التى لا يتحدث الفضائيون المعتمدون عنها إلا أثناء المفاوضات والزيارات المتبادلة، التى يذكر فيها دائما مصطلح «الكيل بمكيالين»!