كان الرئيس محمود عباس موفقا إلى حد كبير فى إطلاقه الربيع الفلسطينى من على منبر الأمم المتحدة عندما تقدم بطلب العضوية الكاملة بالمنظمة الدولية، وهى الخطوة التى تأخرت سبعين عاما تقريبا، فقد ظن الإسرائيليون وحلفاؤهم الأمريكيون، كما ظن كثير من الأطراف العربية فى الجامعة الميتة، أن القضية الفلسطينية قد انتهت وتراجعت عن واجهة الأحداث أمام الزخم الهادر للربيع العربى فى مصر وتونس ودمشق وصنعاء وطرابلس.. نعم كان الربيع العربى هادرا وواعدا بغد جديد ضد الاستبداد والقهر وحكم العسكر الموالين لصناع القرار فى العواصم الكبرى، لكن ذلك لا يبرر أبدا هذا التواطؤ المخيف الذى تشارك فيه الفرقاء والأعداء لتجميد الحق الفلسطينى، والإطاحة بالحقوق المشروعة للشعب الشريد فى غياهب النسيان.
ومن هنا، من قلب التواطؤ حول القضية الفلسطينية، خرج الربيع الفلسطينى من الأمم المتحدة ليعيد الاعتدال للميزان والقضية الفلسطينية للواجهة، ويعيد وضع العالم فى مواجهة أمام ضميره، أمام قدرته على فرض القانون وإحقاق الحق وردع آخر احتلال قبيح على الأرض، وهذا سر جمال الربيع الفلسطينى، أنه يمنح العالم بأسره فرصة لاستعادة إنسانيته المفقودة ويمنح البشر فى أركان المعمورة الأربعة مساحة للحلم بالإصلاح والتحرير والبناء من أجل يوم جديد أكثر عدلا وأقل ظلما.
وكم كانت كلمات أبو مازن قاطعة وموحية وتضع الاحتلال الإسرائيلى وحلفائه فى الزاوية.. "لأننا نؤمن بالسلام... اعتمدنا طريق العدل النسبى.. وصادقنا على إقامة دولة فلسطين فوق 22 فى المئة فقط من أراضى فلسطين التاريخية، أى فوق كامل الأراضى الفلسطينية التى احتلتها إسرائيل فى عام 1967.. آن الأوان أن ينال الشعب الفلسطينى حريته واستقلاله، حان الوقت أن تنتهى معاناة ومحنة ملايين اللاجئين الفلسطينيين فى الوطن والشتات، أن ينتهى تشريدهم وأن ينالوا حقوقهم، ومنهم من أُجبر على اللجوء أكثر من مرة فى أماكن مختلفة من العالم.. إنها لحظة الحقيقة وشعبى ينتظر أن يسمع الجواب من العالم. فهل يُسمح لإسرائيل أن تواصل آخر احتلال فى العالم؟ وهل يُسمح لها أن تبقى دولة فوق القانون والمساءلة والمحاسبة؟ وهل يسمح لها بأن تواصل رفض قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية ومواقف الغالبية الساحقة من دول العالم؟.. إن جوهر الأزمة فى منطقتنا بالغ البساطة والوضوح.. وهو: إما أن هناك من يعتقد أننا شعب فائض عن الحاجة فى الشرق الأوسط، وإما أن هناك فى الحقيقة دولة ناقصة ينبغى المسارعة إلى إقامتها".
كانت كلمات أبو مازن موحية وعنيفة وصارمة لكنها خطوة تحتاج خطوات، حتى لا تتحول كعادة الخطوات العربية إلى العلاج الناقص الذى يمنح الميكروب الكامن فى الجسد العربى قوة مضافة، تحتاج كلمات أبو مازن إلى ترتيب البيت الفلسطينى وعلى الفرقاء هناك أن يخجلوا من أنفسهم والأيام تمر وهم يتشاتمون ويتبادلون عض الأصابع واعتقال النشطاء الموالين للفصيل الآخر، وكل طرف راض بإمارته على شارعين ومقاطعة أو مجموعة من القرى، بينما المخطط الاستيطانى يواصل ابتلاع المزيد من الأراضى الفلسطينية.
تحتاج كلمات أبو مازن إلى خطوة كبيرة من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامى بهدف حشد التأييد والدعم للدولة الفلسطينية الوليدة عبر إقامة مؤتمر دولى مواز للجمعية العامة للأمم المتحدة، يرتب استحقاقات على دول العالم ويفرض نوعا من الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية حتى تصبح دولة بالأمر الواقع فى مواجهة الفيتو الأمريكى المحتمل.
ونحتاج جميعا، نحن المواطنين العرب والمواطنين فى البلاد المستضعفة والمقهورة، أن نكمل خطوة الرئيس الفلسطينى بالاحتفال بالدولة الفلسطينية عبر رفع العلم الفلسطينى فى الشوارع والشرفات والميادين، لنشهر نحن المستضعفين الأفراد فى كل أركان الدنيا الدولة الفلسطينية.. من الذى يستطيع منعنا؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة