حظر النشر الإعلامى لا يعنى أبدا أنك لن تعرف شيئا مما قاله المشير طنطاوى فى شهادته أمام القاضى على المنصة ومبارك داخل القفص، المتطوعون سينقلون ماحدث والإنترنت والحكى الشفهى وبعض المحاولات الخبيثة من الصحف ووسائل الإعلام ستتولى «تطيير» كل التفاصيل، وفى الغالب لن تجد فى هذه الشهادة تفاصيل أكثر من الكلمة الرمادية الشهيرة «ماعرفش».
لذلك اطمئن، لن تمر الساعات إلا وسيكون كلام المشير بين يديك تتسلى به وتتخذ على خلفيته قرارات كما تشاء، ولكن الأهم من كلام المشير، هو ضمير المشير الذى دفعه للنطق بهذا الكلام، فالشهادة التى أدلى بها المشير طنطاوى بالأمس وحظروا نشرها ليست مجرد ورقة إدانة أو تبرئة لمبارك من قتل المتظاهرين فهى اختبار حقيقى لكرامة وشجاعة القوات المسلحة وموقفها من الثورة المصرية، وهى أيضا الطريق الوحيد لاستعادة المفقود من الثقة بين الشعب والمجلس العسكرى.
لا أحد يطلب من المشير شهادة زورا أو إدانة غير مستحقة لمبارك، كما لا نطلب منه تبرئة مجرم ردا للجميل أو تغطية على أسرار وتفاصيل قد تمسه شخصيا أو تمس مؤسسته، نحن فقط نبحث مع ضمير المشير عن الشهادة الحق الخالية من شوائب السياسة وحساباتها، لأننا ببساطة لسنا فى حاجة إلى شهادة المشير لإثبات مسؤولية مبارك عن دماء المتظاهرين، ولأن المحكمة لو كانت منصفة لما سألت: هل مبارك أصدر أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين أم لا؟ بل تسأل: هل هذا المتهم القابع أمامكم فى قفص الاتهام مسؤول عن نهب أراضى الدولة وزحف خط الفقر إلى ما فوق نصف الشعب وعن الألف نفس التى غرقت فى حادث العبارة وعشرات الأرواح التى ماتت حرقا فى القطار وآلاف المرضى الذين ماتوا على أرصفة المستشفيات بعد أن ملت أمراضهم من انتظار العلاج؟!
هكذا يجب أن يكون سؤال المحكمة للمشير ولغيره، وهكذا يجب أن نعى تلك الخطة الشريرة التى تريد أن تحصر خطايا وجريمة مبارك فى جملة شفهية تقول بإطلاق النار على المتظاهرين أو بقرار مكتوب يحمل نفس الأمر، جريمة مبارك أكبر من ذلك بكثير، وهذا ما يجب أن تدركه المحكمة ومستشارها أحمد رفعت حتى يحصل مبارك ورموز نظامه على ما يستحقون من عقاب، وحتى لا تكون الثورة مجرد مشهد تراجيدى فى مسلسل أكشن، وحتى لا تكون الثورة مجرد مشهد عابر فى فيلم الحياة المصرية، لابد أن تقف انتباها، وتستعد لإشعال شرارة الثورة الثانية لأنه ليس من المعقول بعد 25 يناير اكتشاف أن قضية خالد سعيد التى كانت مشاعا فى عهد مبارك أصبح النشر فيها محظورا بقرار رسمى، بل قضية محاكمة مبارك نفسها دخلت تحت مظلة الحظر، بالإضافة إلى تفعيل قانون الطورائ، وتشريع قانون لتجريم المظاهرات والإضرابات وعودة الرقابة على الفضائيات وتعطيل تراخيصها، وانفراد المجلس العسكرى بصياغة وإصدار القوانين المهمة، كما حدث مع قانونى مجلسى الشعب والشورى.. استعد لإعادة تشغيل محرك الثورة مرة أخرى لأنه مع كل ماسبق من كلام يبقى ماحدث فى ميدان التحرير فاصلا كوميديا سنعود منه لمبارك أو لماهو أسوأ منه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة