مخطئ من يتخيل أن الثوار يريدونها معركة مع المجلس العسكرى، إذ ليس ببعيد عن الذاكرة أن هؤلاء الثوار أنفسهم هم من استقبلوا الدبابات وجنودها بالهتاف الشهير «الجيش والشعب إيد واحدة»، وهم أيضا من هتفوا عندما اشتد عليهم «واحد اتنين الجيش المصرى فين»، وهم من وثقوا فى إخوتهم فى الجيش المصرى صائحين: «الشرطة بتضرب فينا عايزين الجيش يحمينا»، وهم أيضا من تركوا الميدان بعد تنحى مبارك واثقين فى أن الجيش والشعب هيكمل المشوار.
مجرد استعادة هذه الشعارات التى هتفت بها قلوب المتظاهرين قبل ألسنتهم تؤكد أن هذا المسار الذى اتخذته هذه العلاقة يؤكد أن شرخا ما حدث، وبدأ هذا الشرخ فى الاتساع حتى هتف البعض «الشعب يريد إسقاط المشير»، ومن وجهة نظرى فإن هذا الشرخ لم يكن ليوجد من الأساس لو اتخذ المجلس الإجراءات اللازمة للتطهر من قوانين مبارك، فمعروف أن المخلوع وحاشيته اغتصبوا كراسى الحكم بالتزوير، ومعروف أيضا أن هذا النظام الفاسد كان متحكما فى مجلس الشعب بسلطته التشريعية عقودا طويلة، ولهذا ألف العديد من القوانين الفاسدة.
من العبث إذن أن نحتكم إلى قوانين ثار الشعب ضدها وهتف بسقوطها، وهذا المعنى الذى أكدت عليه فى أكثر من مقال سابق على مدى أشهر متباعدة، ويمكن إلى الرجوع إلى مقال «مادات قوانين مصر فاسدة فشيمة أهل الفساد البراءة»، والذى نشرته فى «اليوم السابع» فى 6 يوليو الماضى، لكن فى كل مرة يثبت أن القوانين بحاجة ماسة إلى تطهير حقيقى، وأهمها قانون المناقصات والمزايدات الذى يحاكم به الوزراء الآن ويتيح لرئيس الوزراء أن يهب من يشاء ما يشاء، ويمنح الوزراء سلطات مطلقة، ومن تلك القوانين المعيبة أيضا، قانون منع الممارسات الاحتكارية الذى أصبح بعد تدخل أحمد عز فى صياغته عبر الأغلبية الزائفة قانون إتاحة الممارسات الاحتكارية، وأيضا قانون التأمينات الاجتماعية الذى أتاح نهب الأموال، ما يقرب من 500 مليار جنيه، وقانون التجارة والأعمال الذى سلب العامل حقوقه، وقانون الآثار الذى عدله زاهى حواس ليتيح له إبرام اتفاقية مع زكريا عزمى يحصل بموجبها على نصف فى المائة من إيرادات المجلس الأعلى للآثار البالغة ما يقرب من مليار جنيه.
وما تلك القوانين الفاسدة إلا عينة من عشرات التشريعات التى سنها مبارك ومن معه ليصبح فسادهم مشروعا، والأب الروحى لكل هذا الفساد هو قانون الطوارئ الذى جعل الجميع سواء تحت بطش الداخلية الرهيب، لذا كان من المريب حقا أن يجدد المجلس العسكرى العمل بهذا القانون وفقا لقرار رئيس الجمهورية الصادر فى 2010 بأمر من مجلس شعب مزور قضت المحكمة ببطلانه، ومعنى ذلك أن ما بنى على باطل يصبح باطلا، وهو المعنى الذى أشرت إليه فى مقال سابق أيضا نشر فى «اليوم السابع» فى السبت 17 سبتمبر تحت عنوان «قرار رئيس الجمهورية» بعد ساعات من تفعيل العمل بالقانون، لكن المدهش فى الأمر أن تفعيل العمل بهذا القانون بجانب اختراقه الدائم للإعلان الدستورى ربما يزلزل شرعية حكم المجلس العسكرى نفسه، بما قد يؤدى إلى ضرورة محاكمته. نكمل غدا.