أضرب المعلمون مع بداية العام الدراسى، وأكثر من نصف عمال النقل مضربون، والأطباء فى حالة دعوة دائمة للإضراب، وأساتذة الجامعة فى طريقهم كذلك للإضراب وعشرات من المهن والمؤسسات تفعل ذلك منذ ثورة يناير، ويخرج علينا نشطاء السياسة وحقوق الإنسان وغيرهم من المنظرين بتأييدهم لهذه الإضرابات مرحبين بهم، مستندين إلى عبارة متكررة بأن الإضراب حق كفله الدستور والقانون.
بل إن رئيس الوزراء العاطفى سبق الجميع منذ شهور أعطى للإضرابات خطا أخضر حين صرح على الشاشات بأننا «يا عينى» شعب جريح نحتاج المداواة والطبطبة، وشاركه المجلس الحاكم بأن تراخى فى تنفيذ ما قرره من عدم التفاوض مع المضربين الذين يوقفوا سير العمل، بينما لا يتراخى فى أشياء أخرى مرفوضة.
أى أن الكل سواء مُضربون أو سياسيون أو حكام يشاركون فى هذه المنظومة الفاسدة.
قد يكون الإضراب حقا فى الظروف المعتادة فى حياة الأمم، ولكنه فى مصر الآن خيانة....لأننا أمة مريضة، والمرض له ظروف خاصة. المشهد المصرى الآن يبدو وكأننا أبناء أم مرضت فقرر أبناؤها إدخالها الرعاية المركزة المكلفة جداً، ولكنهم وقفوا على باب الحجرة يضربون بعضهم البعض من أجل تقسيم الميراث، ماذا نقول عن مثل هؤلاء الأبناء إلا أنهم أبناء فاسدون أو أبناء حرام!
لا علاج لفساد ومرض عضال إلا بالمباشرة وليس هناك من مباشرة أكثر من أن أقول وأقر بأن، كما كان حكامنا فاسدين طوال عقود، نحن أيضاً كشعب كنا جزءا من فساد لأن الناس على دين حكامهم.
فالمدرسون الذين يُضربون الآن ألم يسلخوا جلود الطلبة وأهلهم دروساً خصوصية وتنكيلا، والأطباء ألم يهملوا فى أعمالهم ويموت بعض المرضى من إهمالهم خاصة الفقراء، أعرف تماماً وأقر بأن لكل قاعدة استثناء ولكنى أتحدث عن الجمع، كلنا كنا فاسدين وكل كان فساده حسب موقعه وحجمه، فلا يحق لأحد الآن أن يعاقب الآخر أو يدعى أنه وحده كان مظلوماً ويريد إنصافاً.
ومن مصادر تعجبى وقلقى أن يقبل البعض ويرحب بالإضرابات عموماً ثم حين نجد نوعاً من إضراب رجال الأمن عن العمل نطالب بسلخهم أحياء، وفى ذلك خلل فى معايير الحق بين مختلف طوائف المجتمع، فيا عزيزى كلنا فاسدون فلم نعاير بعضنا البعض.
الأمر كما سبق وذكرت مرض عضال استشرى فى جسد أمة لا خلاص لنا منه إلا الشدة فى العلاج، والعلاج بالتأكيد ليس باستباحة حق الإضراب ولكن بتجريمه من الشعب والإعلام والحكام واعتباره خيانة لأمة على فراش المرض.
على باب «باجاج» أحد أكبر مصانع العالم فى صناعة المركبات فى الهند عبارة تقول: «نحن فخورون بأمتنا... ونعمل من أجل أن تفخر بنا أمتنا» فمتى يفعلها المصريون ويتسابقوا فى العمل بدلاً من التسابق فى الإضراب، ومتى نصبح يا عزيزى كلنا أبناء صالحين ولسنا أولاد حرام؟!