لم يتحوّل جمال عبدالناصر إلى ذكرى أبدا منذ وفاته فى 28 سبتمبر 1970، بل ظل حاضرا وبقوة بزعامته وأعماله وأفكاره فى كل أنحاء الوطن على اتساعه.
فى كل الأزمات التى مرت بها مصر كان حاضرا يستعيده الناس برفع صوره كرمز للحرية والعدالة الاجتماعية فى مواجهة الظلم والفقر والاستبداد. لم يفلح أعداؤه فى السلطة وخارجها طوال أكثر من 40 عاما فى أن يمحوا صورته الطاهرة النقية أو يشوّهوا زعامته وسيرته الطيبة، فقد دافع عنه ملايين الفقراء الذين آمن بهم وانحاز إليهم وعمل وضحى من أجلهم، ودافعت عنه إنجازاته وبصماته فى كل المصانع والشركات التى حمت العمال ووفرت لهم الحياة الآمنة الكريمة، وفى كل قرية استفاد ملايين الفلاحين فيها من قوانينه وتحرروا بها من عبودية الإقطاع، وفى كل مدرسة وجامعة ضمت الآلاف من أبناء الفقراء والطبقة الوسطى وأتاحت لهم فرصة التعليم المجانى دون تمييز أو تفرقة.
جمال عبدالناصر الذى لم يتحوّل لذكرى أبدا فى كل شارع وميدان يحمل اسمه، فى كل بصمة وفعل فى دولة عربية وأفريقية وآسيوية ولاتينية مازالت تحفظ لمصر بعض المكانة والقيمة وقدرا من الجميل لمواقفه ودعمه لها فى قضايا التحرر الوطنى والبناء والتعمير.
عبدالناصر الثائر الذى كان حاضرا فى ميدان التحرير مع ثوار 25 يناير الذين استكملوا حلمه فى الحرية الكاملة والعدالة الاجتماعية لهذا الشعب، كان الشاب جمال عبدالناصر فى الميدان رمزا لكرامة الوطن والمواطن يصل ثورته بثورة الشباب، فكان هو الزعيم الحاضر الغائب بصوره وصوته وكلماته الخالدة.
هذا هو عبدالناصر الذى مازال يسطع حبه فى قلوب الملايين الذين تآمرت عليهم قوى الشر ورأسمالية اللصوص من بعده، والذين يريدونه مشروعا للاستقلال الوطنى والبناء والتنمية فى الداخل، ومشروعا لزعامة مصر ودورها التاريخى فى قيادة أمتها العربية والأفريقية، مشروع تمضى به ثورة مصر الشابة إلى عصر الديمقراطية وسيادة القانون. تريده مشروعا لعصر لا تعلو فيه كلمة فوق كلمة الشعب وإرادته ومطالبه.
عبدالناصر أحبه شعبه الفتى الشاب ولم يكن وصيا عليه بل كان مؤمنا به لأنه كان سندا ودعما له ومشاركا معه فى كل إنجازاته وأزماته. كان صادقا معه مخلصا له ومصدرا لعزيمته وزعامته فحقق معه وبه بعض أحلامه.