إبراهيم داود

قيصر آخر

السبت، 03 سبتمبر 2011 08:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«تتراكم خلفى جبال من الأخطاء، وأطنان من الورق الملىء بالكتابة.. وحياة نجاح مفاجئ.. غير أننى بالرغم من ذلك أشعر بأننى لم أكتب سطرا واحدا له قيمة أدبية حقيقية، وأننى أتوق لأن أختبئ فى مكان ما لمدة خمس سنوات، أو نحو ذلك لأنجز عملا جادا دؤوبا، على أن أدرس وأتعلم كل شىء من بدايته، إذ إننى ككاتب إنسان جهول تماما»، أتذكر كلمات أنطون تشيكوف هذه عندما أعجز عن فهم ما يدور حولى وصعوبة تكوين رأى فيما يحدث، مثل هذه الأيام، التى يسعى فيها أناس لا تعرف أين كانوا إلى السطو على أحلام شعب بأكمله، بجمل جاهزة وبلاغة منتهية الصلاحية، كأن شيئا لم يحدث فى يناير، لا تجد من تأنس برأيه، رغم كثرة الحكماء والمحللين والخبراء فى الصحف والفضائيات، كل واحد قرر أن يخوض معركته الخاصة المرتبطة بتاريخه الشخصى، فى لحظة تحتاج إلى التأمل وإنكار الذات، لكى نكتب معا وبشكل جماعى شيئا يؤكد أننا معا، وأننا انتصرنا لأننا كنا معا، وأن أمامنا مشوارا طويلا لكى نشعر بالأمن، ومشوارا أطول لكى نتخلص من المرارات والإحباطات القديمة، نحن نفتقد الأرواح الكبيرة التى تغمرنا بالطمأنينة وتأخذ بيدنا فى لحظات الارتباك، مثل فتحى رضوان وأحمد بهاء الدين، نفتقد النور الداخلى الذى يتوارى خلف السطور، نفتقد الكاتب الملهم الذى لا يعلق على الأحداث مثل المحللين الرياضيين، رغم وجود عشرات من الأدباء والشعراء والرسامين والنقاد وأساتذة الجامعات، الذين يملكون كلاما مختلفا وروحا عطوفا وثقافة واسعة، تم نفيهم بعيدا عن الرأى العام لكى يواصل الذين ضللوا الناس أداء مهامهم، كأن هناك مؤامرة ضد الثقافة المصرية التى خاضت وتخوض معاركها بإخلاص وتفان بعيدا عن سرادقات تحديد مصير «الوطن» المنصوبة الآن فى كل مكان، الثقافة المصرية العفية والحرة التى حملت على عاتقها التبشير بمستقبل خال من العنصرية والتمييز والفساد والفاشية والتطرف، ووقفت بعنف ضد التطبيع مع العدو الإسرائيلى، وتعرف مكان ومكانة مصر، هذه الثقافة تجد نفسها بعد الثورة التى حلمت وعملت من أجلها تجلس فى ركن منزو تشاهد عرضا مهلهلا من القرون الوسطى، أعد القائمون على حكم البلاد له المسرح وفرضوه على الجمهور، الجمهور الذى يشبه شخصيات تشيكوف «المنغمس فى أحلام وردية حول المستقبل العظيم للحياة سيحل بعد مائتى عام، دون أن يسأل أحدهم نفسه»: من الذى سيجعل هذا المستقبل عظيما إذا كنا لا نفعل شيئا غير أن ننغمس فى الأحلام؟ «على حد تعبير مكسيم جوركى»، لقد اعتدنا كما يقول تشيكوف على أن نعيش ونحن نأمل بالطقس الحسن والحصاد الجيد وبقصة حب لذيذة، يأمل المرء بأن يصبح غنيا أو رئيس شرطة، ولكنى لم أر إنسانا واحدا يحلم بأن يصبح أكثر حكمة، إننا نقول لأنفسنا دوما: سيصبح وضعنا أفضل إذا حكمنا قيصر آخر، وإن حالتنا ستكون أحسن بكثير مما هى عليه بعد مائتى عام، وليس بيننا من يحاول أن يجعل هذا الوقت الحسن يأتى فى الغد، نعيش لحظة غريبة بعد ثورة عظيمة، يشعر الناس فيها أن المستقبل غامض، ربما لأن حماة الماضى البعيد وكهنة الماضى القريب هم الذين أمسكوا بمكبرات الصوت، وراحوا يحرضون الناس الذين ظلموا كثيرا... على الصمت.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة