حين تتوه الأمم بين أحداثها الراهنة يطلب حكماؤها العودة إلى أحداث التاريخ، علها تستلهم بعض الحكمة مما مضى، وحين يضيق الإنسان بالحاضر يعود إلى ألبوم صور من الماضى قد تحمل بعض الذكريات السعيدة أو الحكيمة فى حياته الماضية.
ولأن الحاضر قد ثقلت أحداثه على عقلى فعذراً، إننى سأعود بذاكرة قلمى إلى الخلف لأعيد نشر مقال كتبته ونشرته عام 2008 فى جريدة الفجر، ليس من منطلق المثل الشعبى الذى يقول إن الخواجة خرستو لما يفلس يدور فى دفاتره القديمة ولكن بمنطق ما ذكرته فى بداية المقال، فأذنوا لى بالعودة معكم إلى الماضى.
«فجأة صار الفيس بوك واليوتيوب وهؤلاء الشباب المتعاملون عليه حديث مصر، وقد وجدتنى مدفوعة للبحث عنهم وبسبب التداعيات الأخيرة فى المجتمع المصرى على المستوى السياسى والاجتماعى والصحفى والأمنى، بحثت عن وجوه وحديث شباب نعتهم أحد أقطاب حزب التجمع رفعت السعيد بأنهم شباب «لاسع» بالمعنى السلبى للكلمة، واتهمتهم أجهزة الدولة بعد إضراب أبريل بأنهم مخربون.
أجهزة الدولة وجدت فى الفيس بوك واليوتيوب حكاية أمنية وسياسية وآخرون وجدوا فيه مواقع إباحية، أما أنا فقد رأيت فيه حكاية أخرى.
فمخطئ من يتصور أنه امتلك الحقيقة وبالتالى مخطئ من يتصور أن بعض الكليبات الإباحية هى أهم ما هو موجود على هذا الموقع الذى لو فتحته ستجد أن هناك عالما يجب عليك اكتشافه، وأن الفنانين غير المكتشفين فى مصر أكثر كثيرا من هؤلاء الذين نراهم على الساحة، ستجد مئات وآلافاً من الموهوبين بأقل الإمكانات، ستجد جرافيك عبقرياً للرئيس أنور السادات وهو يحدث الشعب المصرى من السماء، ستجد كليباً باسم «مساطيل الفراعنة» يصور فيه الشباب تصورهم كيف كان الفراعنة يقعون تحت سطوة المخدرات، ستجد ألف عمرو دياب وألف محمد سعد والآلاف من الموهوبين، ستجد شبابا يبعثون أغنية محمد رشدى «دامت لمين» برسالة سياسية.
اليوتيوب والفيس بوك صارا «هايد بارك» مصر التى لا تعرف إلا الحدائق المغلقة بأسوار من الحديد، منذ سنوات قليلة كان أبطال فيلم ورقة شفرة أحمد فهمى وهشام ماجد وشيكو، مجرد وجوه معروفة ومحببة لشباب الفيس بوك واليوتيوب فهم أبطال فيلم «رجال لا تعرف المستحيل» الذى صوروه على غرار فيلم الطريق إلى إيلات ولكن بشكل ساخر، هؤلاء الشباب تعرضوا بسبب هذا الفيلم لتحقيق فى أمن الدولة ولكن الخوف من التحقيق لم يمنع المعجبين بهم من الاستمرار فى عرض الفيلم ومشاهدته وتبادله على الإنترنت، وقد تحولوا من نجوم على موقع إلى نجوم على الشاشة فمن يدرى ربما يكون الدور مقبلا على غيرهم.
فإذا شاهدت اليوتيوب ستعرف أن مصر مهما كانت مهمومة ومنكسرة مازالت تستطيع أن تضحك وتفكر وتعترض حتى لو على أسلاك من كهرباء فى زمن الكلام فيه عن الرقابة صار عبثا، وأن نختصر موهبتهم فى جملة أنهم شباب لاسع، كما قال رفعت السعيد هو اللسعان نفسه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة