أرجو ألا تكون متفائلاً بعد الثورة بتأسيس هذا العدد الكبير من الأحزاب السياسية، والتى أصبحت تنافس فى ولادتها عدد الائتلافات التى تنزرع قسراً فى جسد الثورة وعلى كل لون فى ربوع المحروسة؟، لا أظن أنك ستعتبر هذه الأحزاب نتاجاً طبيعياً لحالة الحرية التى نعيشها مقرنة بكثير من الفوضى، وتعتقد أيضا أن كلما كثرت الأحزاب أصبحت الحياة السياسية أكثر حماساً واختلافاً وتنوعاً، ولكن بالله عليك، كيف سيحدث هذا وأنت ترى غالبية تلك الأحزاب تأسست على غير هدى وبلا برنامج وبلا سياسة باستثناء القيلل منها، والبقية كثير بلا فائدة كغثاء السيل، بينما نحن مجبرون على احترام القليل الذى اختار له هدفا ووضع له الخطط والبرامج، حتى وإن اختلفنا مع بعضها أيديولوجيا، فالجميع فى النهاية يصب فى نهر الوطن، لكن أن يخرج حزب هكذا كطرقعة الأصابع لمجرد أن التأسيس متاح ببضعة آلاف من التوقيعات فهذا هو التهريج بعينه، لأن المقرات والتوقيعات واللوحات الإعلانية لن تصنع مستقبلا سياسيا لهذا البلد.
سأضرب لك الآن مثلا بحزب تسمع عنه الكثير ويعرفه الناس فى الشارع، ومؤسسه أحد الذين يشار إليهم، كواحد ممن أعتى المعارضين للنظام السابق، ولكنك إن سألت أحدهم فى الشارع عن توجهات الحزب أو خططه المستقبلة أو البدائل التى يطرحها فى حال جرت انتخابات نزيهة وتبوأ هذا الحزب ركنا تنفيذياً، فلن تجد إجابة، أنا أتحدث هنا عن حزب الكرامة ومؤسسه حمدين صباحى، وكلاهما – من وجهة نظرى - متشابهان إلى حد التطابق فالحزب الذى قام على فتات الحالة الناصرية، وحاول أن يكسب من جمع ما تفرق من شتات القوميين والعروبيين، أصبح صورة باهتة لكل ما هو ينمى لعصر عبدالناصر، وبالتبعية تحول إلى حديقة خلفية للحزب الناصرى فى الفكر والأفراد، وكذلك الأمر لحمدين - مع كل الاحترام لشخصه - أصبح هو الآخر مشوشا، مرتبكا، وكأن التغير المفاجىء فى الخريطة السياسية صدمه وأفقد بوصلته الاتجاه الصحيح، الرجل يخرج على التليفزيون كمرشح للرئاسة ليتحدث فقط عن العدالة الاجتماعية، وأنه سيطرح اتفاقية كامب ديفيد للاستفتاء، وسيدرس قطع الغاز عن إسرائيل، وفى جولاته الانتخابية يقول الكلام نفسه ولكن بما يرضى الناس ولا ينقصه سوى أن يقول لهم: إنه سيرمى إسرائيل فى البحر، وهو يعى جيداً أن للسياسة حسابات أخرى.
أزمة حمدين والكرامة ليست فى معزل عما يجرى فى بحر السياسة المرتبك حاليا والغامض مستقبلا، الجميع يعد بالوهم وينشىء أحزابا من خيال وائتلافات من عدم، والجميع يتحدث عن المشكلات نفسها ويضع لها الحلول نفسها التى ثبت فشلها من قبل، فماذا سيقدم حزبا ناصريا جديدا، والحزب الناصرى الأصلى تمزقه الصراعات وتحول لما يشبه مقهى المعاشات، وجريدته الناطقة باسمه على شفا الزوال، ماذا ستفيدنا وعود حمدين صباحى وخطبه الحماسية عن العدالة والاشتراكية وكامب ديفيد والغاز والتيار الناصرى نفسه الذى يؤمن بهذه الأفكار لا يعمل بها، وتفرق كل واحد منهم يبحث عما لم تحققه له الاشتراكية، حتى إن بعضهم أصبح إقطاعياً من المتاجرة بتاريخ عبدالناصر..قمة الإفلاس أن تبنى مجدك على رفات الموتى، وقمة التناقض أن تستعد للرئاسة فى 2012 بأفكار ومبادىء غطاها التراب من عشرات السنين.