مر شهر رمضان الكريم سريعًا ككل العمر، ولكن كما هو دائمًا فرصة لحساب النفس على عام مضى فهو أيضًا كان بالنسبة لى فرصة لالتقاط الأنفاس من أحداث متوالية مرت بنا جميعًا منذ قيام الثورة، ومازالت، وأحداث أخرى ربما أكثر إثارة لم تأت بعد.
والتقاط الأنفاس يسمح أحيانًا برصد بعض من الملاحظات الهادئة على أحداث صاخبة، وهل هناك أكثر صخبًا من المشهد السياسى المجتمعى المصرى؟!
1 - أى مراقب للحالة المصرية المجتمعية والإعلامية والسياسية الآن يدرك بالتأكيد أننا نواجه مأزق إجابة السؤال «وماذا بعد؟»، وأنا لا أملك الإجابة، ولكنى أملك مخاوف تاريخية من الفرق الدائم بين بدايات المصريين والنهايات، فعلى سبيل المثال يقال إن الطفل المصرى هو أذكى أطفال العالم، ولكن عادة ما ينتهى به الحال لنسبة متدنية من الذكاء الدراسى مقارنة بطلبة من دول العالم الأخرى. مشاريعنا القومية تبدأ عملاقة، حالمة، عظيمة، ثم تتضاءل نتائجها فى وسط الطريق لتتحول أحيانًا إلى سراب أو مشكلة.
مسلسلاتنا وأفلامنا تبدأ قوية جاذبة للمشاهد، ثم تنتهى نهايات ضعيفة لا تتناسب أبدًا مع بداياتها، شوارعنا تبدأ عريضة مبهجة ثم تنتهى إلى حوارٍ وأزقة، ثورة يوليو 52 بدأت ملهمة مغيرة لخريطة العالم شرقًا وغربًا، وانتهت بهزيمة 67.
كل هذا تاريخ لن أخوض فى تفاصيله، ولكن عناوينه تكفى لكى ننتبه إلى ما هو آت فيما يخص التفاصيل التالية لثورة يناير التى أبهرت العالم وألهمته. ولا أجد تشبيهًا أقرب للحالة المصرية بعد الثورة من نظرية نسف الحمام لأحد الأصدقاء، والذى قال إن حال مصر يشبه ناسًا اتفقوا جميعًا على ضرورة نسف الحمام الخاص بهم لعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمى، وبالفعل نسفوها نسفًا، ثم أصبح عليهم بناء حمام جديد، ولكنهم راحوا يتعاركون حول لون السيراميك، وهل الرخام أفضل؟ وأين يضعون المواسير؟ وكيف يكون الديكور والسقف؟ فالبعض منهم مورد أدوات صحية، وآخرون أصحاب محاجر، وهكذا استغرقتهم التفاصيل، وأحيانًا المصالح، دون أن يكتشفوا أنهم صاروا بلا دورة مياه، وأنهم يقضون حاجاتهم فى الشارع.
تشبيه فج، ولكنه ربما يكون الأقرب لتوصيف الحالة الراهنة، دون فذلكة، فمتى نتفق على أن إقامة دورة مياه لائقة مطلب آدمى وحق للشعب المصرى بغض النظر عن كونه موردًا للأدوات الصحية أو صاحب محل مواسير.
2 - بعيدًا عن خناقة من يكون صاحب موقعة رفع العلم المصرى وإنزال العلم الإسرائيلى عن السفارة وقع الزميل السابق والمحافظ الحالى للشرقية د. عزازى على عزازى فى خطأ فادح لمسؤول فى دولة، فالرجل قرر تكريم رافع العلم ماديّا، مما يعنى أنه مسؤول غير مدرك لموقف الحكومة التى ينتمى إليها، وأنه أيضًا يعلى من شأن بطولة زائفة، أو على الأقل لا تستدعى كل هذه الجلبة. يا جدعان هل يقول لى أحد: من هو أول من رفع العلم المصرى على أرض سيناء بعد عبور خط بارليف لكى أقبل قدمه رفعًا لشأن قيمة العمل؟ هل يعرفه أحد؟ لا أظن.
وما بين نظرية الحمام وضرورة منح القيمة الحقيقية للعمل مصر فى مأزق من قبل ومن بعد رمضان، فهل نغير التاريخ لنؤكد أننا نستطيع أن ننتهى كما بدأنا أقوياء، أم أننا نعيد إنتاج تاريخنا؟