إذا وصلنا إلى اللحظة التى تصبح فيها شوارعنا نظيفة، ولدينا رصيف نمشى عليه، وأن تنتهى العشوائيات، ونجد مستشفيات إنسانية ومدارس تقدم العلم مع التربية، ساعتها يمكننا القول إننا نجحنا، وإننا نشارك فى بناء المستقبل.. وإذا فشلنا فى ذلك، فلا يمكن الحديث عن دولة حديثة ولا ديمقراطية. ففى النهاية، السياسة هدفها إسعاد البشر، وليست غاية فى حد ذاتها، وأن تنتهى العملية الديمقراطية إلى إنتاج إدارة قادرة على مواجهة المشكلات الطارئة ببراعة، وعدم تكرار الأزمات بشكل دورى. والديمقراطية هى أن يكون الكل مهتمين بالشأن العام بعيدا عن «الأنامالية والمعلشية» التى كانت نتاجا لسنوات من عزل الشعب عن المشاركة، واحتكار الثروة والسلطة.
توفير كوب ماء نظيف، ومسكن مناسب، وطعام خال من السموم، وشوارع آمنة، وإتاحة تكافؤ الفرص أمام المواطنين، هى الغاية من التسابق بين من يعتقدون أنهم قادرون على ممارسة العمل العام، ومن يمكنهم تحويل الأفكار النظرية إلى عمل. وبالتالى فإن نظافة الشوارع والمياه تبدو الخطوة الأولى لأى استثمار فى الأموال أو البشر.
وإذا كنا نتحدث عن الزبالة والنظافة بوصفها مشكلة مزمنة ومتراكمة منذ عقود، فلا يمكننا تجاهل أكبر جريمة ارتكبت فى حق الشعب المصرى، تلك التى تخص نهر النيل، وهى جريمة ارتكبناها فى حق أنفسنا، وحق الأجيال القادمة، وهى ماجرى لنهر النيل الذى تحول الى أكبر مقلب للقمامة والصرف الصحى والصناعى. النهر هو شريان الحياة الرئيسى الذى يشرب منه المصريون، ويروون زراعاتهم، ومع هذا فقد تعرض هذا الشريان لإهانات بالغة تزامنت مع تصاعد الإصابة بالفشل الكلوى، وأمراض التلوث والمناعة. لقد اختلت مناعة المصريين منذ بدأ العدوان على النيل، وأصبحت هناك طبقة من المصريين لا تشرب الا المياه المعبأة، بالرغم من أن النيل كان لقرون طويلة هو رمز المصريين، ودليل حضارتهم. وخلال سنوات تم التهاون مع الصرف، وإلقاء النفايات فى النهر الذى تحول إلى نهر عجوز يعانى كل ألوان الانتهاكات، وتزامن انتهاك النيل مع انتهاكات حقوق البشر فى كل شىء.
وبالتالى فإن مواجهة القمامة، أو العدوان على النيل، لا تكفى معهما الاجتماعات الحكومية، أو مجالس المحافظين، لكنهما يحتاجان إلى وجود مجالس شعبية محلية قوية منتخبة انتخابا حرا، وأن يشارك المجتمع المدنى المواطنين فى المواجهة. ولا نظن أن هناك خلافا بين أى من التيارات السياسية القديمة والجديدة على أن الزبالة مشكلة بلا حل، أو أن الشوارع والأرصفة معتدى عليها، والمرور مستحيل، والطرقات غير آمنة. وأن تيارا واحدا أو شخصا بعينه لايستطيع وحده مواجهة هذه المشكلات. علينا أن نبدأ العمل معا من أجل وطن واحد نعيش فيه، بعيدا عن «الأنامالية والمعلشية».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة