ناجح إبراهيم

بين فقه الدعوة.. وفقه الدولة

الثلاثاء، 10 يناير 2012 04:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمخضت الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن فوز الحركات الإسلامية المصرية بالأغلبية البرلمانية.
ومعظم الذين فازوا فى هذه الانتخابات من الحركات الإسلامية كانوا دعاة وقادة فى محافظاتهم لهذه الحركات الإسلامية.. وكانت مهمتهم الأساسية التى شرفوا بها طوال الوقت هى الدعوة إلى الله بوسائلها المختلفة.. أما اليوم فهم رجال دولة وهناك فرق كبير بين المقامين.
وهناك فرق شاسع بين فقه الدعوة وفقه الدولة.. وحاجات الدعوة ومتطلبات الدولة.. وخطاب الدعوة وخطاب الدولة.. وحاجات الدعوة وحاجات الدولة.
وإذا لم يدرك هؤلاء هذا الفرق العميق وقعوا فى أخطاء قاتلة.. ولعلى أضرب مثالاًً واحداًً يوضح المقصود بجلاء ودون التباس:
كان الداعية فى مسجده أو فى المؤتمر الدعوى يخطب زاعقاًً صائحاًً بضرورة تحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر ويشتم ويلعن من يريد تحريرها حتى حدود 1967م.. متهمًا إياه بالخيانة والعمالة وعدم قراءة التاريخ.. ويطالب فى خطبته الحماسية بطرد السفير الإسرائيلى فوراًً.. ملحقاً عباراته بسيل من الشتائم لهذا السفير.. ويطالب أيضًا بغلق السفارة الإسرائيلية فوراًً.
وبعدها يشيعه الحضور بالقبلات والأحضان والثناء على كلماته الحماسية القوية.. وأنه لو كان أمثاله فى الحكم لتحررت فلسطين فى غمضة عين.. وهو سعيد فخور بهذا الثناء العظيم.. متمنياًً أن يكون الأمر بيده ليحل هذه المشكلة المستعصية حلاًً جذرياًً دون أخطاء.
ولناً أن نتصور أن هذا الداعية أصبح وزيراًً فى الحكومة القادمة وأراد أن يكرر خطابه الدعوى السابق الذى أسعد تلاميذه ودغدغ مشاعرهم.. فإن عليه أولاً وقبل كل شىء أن يدرك أن كلامه الآن بهذه الطريقة لا يعنى إلا شيئاً واحداً.. وهو إعلان حالة الحرب فوراًً على إسرائيل.. فضلاً عن انحياز أمريكا والغرب ومعظم الشرق لها.
وهذا يعنى أنه قبل أن يقول هذا الكلام لابد أن يذهب إلى قادة الجيش ليعرف منهم مدى استعدادهم للحرب.. وإلى خبراء الاقتصاد ليعرف منهم هل اقتصاد مصر يسمح بالحرب.. وإلى أجهزة المخابرات ليعرف منهم مدى المعلومات الاستخبارية عن إسرائيل من كل النواحى.. وإلى وزارة الخارجية ليعرف منهم من سيكون معنا ومن سيكون فى صف إسرائيل.
إنها حسابات معقدة وكثيرة وتجهيزات قد تحتاج لعشرات السنوات قبل أن يقول هذه الكلمات السهلة البسيطة التى كان يطلقها أثناء دعوته عدة مرات فى العام الواحد.. وإذا تكلم بذلك فقد يؤدى إلى خلعه أو اعتذاره أو بداية الحرب الباردة التى تسبق عادة الحروب الحقيقية.
فالداعية يتكلم ويحلق فى الأمانى دون حساب ولاعقاب.. بل كلما حلق أكثر أعجب الشباب واكتسب أنصاراًً وأشياعاًً أكثر.
أما رجل الدولة فالأصل لديه الصمت إلا فيما يأتى بمصلحة الدولة.. فهو الضابط لحديثه.
فالعلاقات الخارجية الدولية تبنى على المصالح وتوازن القوى.. ولا تعرف الأمنيات ولا الأحلام التى لن تتحقق اليوم.
فلا يتحدث وهو فى الحكم عن زوال أمريكا وروسيا وأوروبا كما كان يدندن فى كل جمعة.. ولا يتكلم عن إزالة إسرائيل من الوجود كما كان يقول فى كل مؤتمر.. ولكن يتحدث فى تخصصه فقط.
فلا يتحدث وزير الكهرباء فى السياسة والاقتصاد والحرب وكل شىء كما كان يفعل وهو خطيب وداعية.. ولا يعد بشىء لن يستطيع تحقيقه فى المدى القريب.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة