لا نريد أن نثير الإحباط، لكن ما يجرى حتى الآن فى محاكمة مبارك وأعوانه يدفع نحو حالة من الإحباط، والكلام والمرافعات والادعاءات والاستعراضات، تبتعد عن فكرة المحاكمة، وتدخل فى سياق الاستعراض.
طالبنا بمحاكمة سياسية تكشف كيف كانت تدار البلاد، وكيف وصلنا إلى الاحتكار السياسى والاقتصادى. وكيف يمكننا استعادة الأموال المنهوبة. وحذرنا من أن تتحول المحاكمة إلى استعراض و«بيزنس».
لم نر حتى الآن محاكمة تليق بثورة أطاحت بنظام متسلط، ولم نتعرف على مفاتيح وأسرار الحكم، وكيف كانت دولة كبرى تدار سياسيا واقتصاديا، وكيف تأخرنا وفقدنا الكثير من الفرص والأموال. هذه ليست محاكمة تليق بمصر وثورتها، لكنها تناسب أكثر التوك شو. وقد رأينا بعض كبار المدعين يقدمون فى مرافعاتهم كلاما بلا أدلة، ويخلصون الشائعات بأنصاف الحقائق. وكثيرون منهم يبدو وكأنهم لم يقرؤوا أوراق القضية جيداً. وهى أوراق كما قال خبراء القانون تحتاج إلى تفرغ شهور للوقوف على كل تفاصيلها.
لم نغادر مرحلة الفرجة.. الخطابات التى تخلو من أى معنى، ضمن محاكمة متعجلة.. ومن استعراض مرافعة النيابة أو دفاع المدعين نرى مجرد مرافعات إنشائية ورغبة عارمة فى الاستعراض.. خداع بصرى وتعبيرى خارج الموضوع ولا يصب فى صالح تأكيد الاتهامات.
منذ اللحظة الأولى للمحاكمة رأينا الرغبة فى الاستعراض تطغى على الرغبة فى البحث عن الحقيقة وتحقيق العدالة، والكثير من المحامين ذهبوا وأمام أعينهم الكاميرات، ورغبة فى الحصول على نجومية تزيد من جاذبيتهم وتصب فى صالح أعمالهم «بيزنس». وحتى لو كانوا يتحدثون باسم الشهداء فإنهم يتخذونها سلالم من أجل مصالحهم الخاصة.
ليست محاكمة وإنما استعراضات، ظهرت منذ اللحظات الأولى فى تزاحم السادة المحامين للحديث، وتنافسهم بالأكتاف للكلام. فإذا تكلموا لم يقولوا شيئاً. يتنافسون ويتضاربون بحثا عن الكاميرا، وبعد الجلسة يخرجون لاستكمال مرافعاتهم أمام كاميرات التليفزيون والصحافة وكل منهم يبحث عن أكثر التعبيرات سخونة، مع أنهم لا يترافعون أمام المنصة بل أمام الكاميرات، إعادة ترديد لتقارير صحفية وكلام فى برامج مكررة، من دون جديد.
وقد رأينا كيف اختلف السادة المحامون فى أولوية الكلام، ورأيناهم يعجزون عن الاتفاق، وكل منهم يتحدث وحده وبلا تنظيم ليقول كلاما إنشائيا معادا ومكررا. يسعون للمزايدة وجذب الأنظار.
وبعد الاستعراض الصباحى، يأتى دور الاستعراض المسائى، أمام كاميرات المساء والسهرة، ومزيد من التسلية والفرجة، بلا نتيجة. لقد غادرت المحاكمات قاعات المحاكم، لتنشر على الملأ فى الفضائيات، وأيا كان المدعون والمتهمون، فلا يمكن تفهم تلك الرغبة فى الإفشاء. كان الأجدى أن تبقى المحاكمات علنية تبث على الهواء. وحتى ذلك لا يبرر للمحامين نقل التفاصيل مشوهة فى الفضائيات. ليحولوها إلى فرجة.