لا تغيب عنى أبدا المشاهد الأولى لمحاكمة الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، ليس فقط لأنها تاريخية ومهمة، وباقى هذه القصيدة من الألفاظ المفخمة والمهمة، وليس لأن أداء الرئيس السابق خلالها يرقى لمستويات الفائزين بأوسكار فى هوليوود، بينما أداء جمال مبارك لا يمنحه أكثر من جائزة أفضل ممثل فى استفتاء جريدة الجمهورية السنوية، ولكن لأن هذه المشاهد الأولى للمحاكمة شهدت تألق السادة المحامين المدعين بالحق المدنى والذين صدّروا أنفسهم للحديث باسم أهالى الشهداء والمصابين وباسم الثورة نفسها.
أنا وربما أنت تتذكر جيدا كيف حوّل السادة المحامون بفوضويتهم وصراعهم على الأماكن المواجهة للكاميرات، أحداث الجلسات الأولى من المحاكمة إلى فاصل كوميدى لا يليق بمحاكمة تاريخية بقدر ما يليق بالعرض على الشاشات التى كان يسعى إليها أصحاب الأرواب السوداء!
هزلية محاكمة الرئيس المخلوع التى يتحجج بها محامو أهالى الشهداء الآن لتبرير ضعف وقلة حيلهم القانونية هم أول من صنعوها بزحامهم أمام ميكروفون القاعة، ومحاولة كل «متر» فيهم إثبات ثوريته ونضاله الذى طفح على الفضائيات فجأة، بحيث كانوا ينزلون من حنفية البرامج كلما ضغطت على زر الريموت كنترول، فى الوقت الذى كان من المفترض أن يغلق كل محامٍ منهم مكتبه على نفسه لدراسة تفاصيل القضية بدقة، بدلا من انتظار منح النيابة أو أوراق التحريات، أو افتكاسات وسائل الإعلام.
كل الأسماء اللامعة، أو التى أصبحت لامعة على أكتاف حقوق الشهداء وعلى «حس» محاكمة المخلوع، تركت المحاماة وتفرغت للتحليل التليفزيونى والكتابة فى الصحف، مثلهم فى ذلك مثل العديد من شباب الائتلافات الثورية الذين تركوا الشوارع خالية للتيارات الإسلامية تحصد مقاعد البرلمان ثم جلسوا يبكون ويتحججون بالمجلس العسكرى والأيادى الخفية، غافلين عن أن الأيادى الخفية لم تزور ما فى الصناديق من أصوات.
الجلسات الأخيرة من محاكمة المخلوع نفضت الغبار عن صدأ جديد فيما يخص كتلة المحامين المدعين بالحق المدنى والمتحدثين باسم الشهداء والمصابين، والصدأ يظهر واضحا وجليا حينما تتابع الفضائيات وتكتشف من شكاوى كل محامٍ فيهم عدم قدرة الأساتذة على الاتفاق على متحدث واحد باسمهم، أو على الأقل الاتفاق على هيئة مصغرة توفر على الناس تفرقة دماء الجلسات بين أكثر من 150 محاميا لا هم لأحد فيهم سوى أن يحصل لنفسه على كلمة أو مرافعة تمنحه بطولة جديدة أو مكسبا سياسيا منتظرا.
ركز مع أحاديث السادة أصحاب الأرواب السوداء، وكلامهم المرسل عن المكالمات المجهولة، والخطط الأفعوانية، وستعرف أن المشاهد التى عشناها فى بداية المحاكمة والتى ظهر خلالها المحامون وهم يتعاركون على الميكروفون ويدبدبون بأرجلهم للحصول على كلمة أمام الكاميرا مازالت عرضا مستمرا على مسرح أكاديمية الشرطة، الدرس الوحيد المستفاد منه أن أغلب هؤلاء المحامين لا يهتمون بالعدل ولا الشهداء قدر اهتمامهم بإظهار ثوريتهم وعرض بضاعتهم على الصحف والفضائيات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة