ليست محاكمة مبارك التى تحولت إلى تجارة لكنها الثورة والسياسة، تجارة بالشهداء والثورة والمحاكمات، لمن لايهمهم غير الربح. ففى عز الثورة رأينا من وظفوا الأمر وترجموه إلى أموال بتجارة الرموز. وحتى صور الشهداء لم تنج من أيدى الباعة الجائلين للمصائب. ولما بدأت محكمة مبارك وإع
لان سرية الجلسات، فقد السادة المستعرضون فرصهم فى ممارسة الدفاع الفضائى، وتفرغوا للتصريح على النفس.
كنا نتمنى أن يجد السادة المدعون بالحق المدنى فرصة للنظر فى القضية وقراءة أوراقها وممارسة دورهم كمحامين، وأن يتنازلوا عن شهوة الاستعراض التى حولت المحاكمة إلى فرجة. لكنهم بكل شىء ما عدا المحاكمة. بأنفسهم، ومصالحهم وصورتهم. فى النهار يمارسون حالة الإدلاء بالرأى خارج المحكمة، بعد أن تم وقف البث، فقدوا خاصية المرافعة الهوائية.
ما سمعناه من السادة المحامين حتى الآن لم يتجاوز الكلام المطروح فى الصحف والفضائيات طوال عام. ولا يجدون وقتا للمرافعة ويكتفون بمداخلات على طريقة البرامج الإخبارية، ونتوقع أن يمارس السادة المستعرضون بالحق المدنى مرافعاتهم بمداخلات تليفونية توفر عليهم الجهد والوقت، وربما يطالبون بضم كلامهم فى برامج التوك شو إلى مذكرات الدفاع.
أغلب المستعرضين يدلون بآرائهم أمام الفضائيات أكثر مما يتحدثون أمام المحكمة، بالرغم من أن المرافعة الحقيقية هى ما يطرح أمام المحكمة. لكن هذه الحالة الاستعراضية تجعل من الصعب الفصل بين ما يقوله المحامى أمام المحكمة وما يقوله أمام الكاميرا. بعد أن سقط الحائط الرابع على الجمهور.
والنتيجة أن محاكمة مبارك تحولت إلى مولد أو مهرجان، ليس فقط للمحامين، لكن أيضا لأنصار مبارك الذين يصرون على لعب دور الأرامل فى مواجهة أهالى الشهداء. ويتحول الأمر إلى مسابقة فى الهتاف والرغبة فى الظهور. المناسبة تحولت إلى نوع من التجارة، ومثلما التقط تجار الميدان فكرة علم مصر والميداليات والتيشيرتات وباعوها فى الميدان وربحوا الملايين، وهو شبشب حق يراد به «بيزنيس». وهؤلاء التجار لايهمهم المحاكمة، ولا العدالة، وإنما الربح. لايختلفون كثيرا عن تجار المصائب الذين يظهرون فى كل مصيبة ليحققوا المزيد من الأرباح.
تحول الشهداء للأسف إلى تجارة رائجة ليس فقط من المستعرضين بالحق المدنى، والمدافعين بالمداخلات، لكن أيضا من عدد كبير من الإعلام يزايد بهم البعض للحصول على الأضواء أو الأرباح، مثلما تحولت الثورة نفسها إلى تجارة، ورأينا عشرات من الائتلافات والروابط والمتحدثين باسم الثورة، ممن عينوا أنفسهم زعماء لايفعلون شيئا غير تلميع أنفسهم، أو تحولوا إلى شراح للثورة وخبراء فيها. مع أنهم كانوا أفرادا ضمن ملايين غيرهم. لايختلفون كثيرا عن تجار الصور والميداليات، ممن لا يهمهم الشهداء ولا الثورة، بل تهمهم جيوبهم.. ومن شدة الزحام أصبح المحترفون يغطون على الثوار الأصليين، بالضجيج. هم المتاجرون بالحق المدنى للشهداء والثورة.